في ذكرى يومها العالمي.. مكانة المرأة في المجتمع العربي

البروفيسور علي عبد فتوني/ لبنان

لعبت المرأة العربية دورا" بارزا" ومحوريا"  في نهضة المجتمع، وأثبتت قدرتها على التغيير الإيجابي لا يقل أهمية عن  دور الرجل في مختلف جوانب الحياة،  ولم تلتزم فقط بواجبها تجاه أسرتها، بل خاضت الى جانب الرجل معارك التحرر الوطني  للشعوب العربية في العديد من الدول من أجل السيادة والحرية والإستقلال، ووصلت الى مستويات رفيعة على صعيد المناصب السياسية والدبلوماسية والقضائية والأكاديمية والإدارية والإعلامية الى جانب النيابية والوزارية .

وبالرغم من هذه الإنجازات التي حققتها المرأة في المجتمعات العربية، إلا أنها لاتزال تشكو من إنعدام التكافؤ مع الرجل تحت وطأة مفاهيم متوارثة لم يستطيع التقدم الإجتماعي والثقافي والعلمي من تغييرها، أو توفير قدر من الإنفتاح تجاهها رغم تسجيل التقدم المتفاوت بخصوص حقوق المرأة وأدوارها في المجتمع العربي.

ويعتبر العديد من البحاثة أن المرأة كائن ضعيف، وقد ركز معظمهم بشكل حصري على دور الرجل، ووراء إهمال دور المرأة من قبل بعض الباحثين عدد من الإفتراضات التي لا تزال تفعل فعلها في المجتمع العربي، بعضها أن النشاطات التي يقوم بها الرجل كالحرب والقيادة السياسية والمناصب الرسمية هي الأكثر أهمية وتستحق الدراسة، بينما النشاطات النسائية غير هامة وكأن المرأة خلقت لإنجاب الأطفال وتربيتهم فقط .

إزاء ذلك نقول، أن قضية المرأة لا يمكن إعتبارها قضية نسائية بحتة، وأرى أن المرأة في بحثها عن حريتها وحقوقها ربما تكون أكثر قدرة على التعبير من الرجل عن واقع الظلم الذي تعيشه، لأنها الطرف الذي يعاني من تسلط الآخرين، بالإضافة الى التعقيدات التي لا يدركها الرجل بحكم كونه رجلا"، أو يلتفت إليها.

وإذا  كان من يتمتع بالحرية أقدر على الإستمتاع والتمسك بها والمطالبة بالمزيد منها والدفاع عنها، فإن المظلوم أحرى بأن يطالب بأولويتها، إلا أن هذا العرض لا ينفي وجود إستثناءات، لأن هناك فتيات لا تنقصهن الجرأة لتأكيد حقهن والمطالبة به ولا يقبلن الخضوع والإستسلام بالرغم من قسوة العالم المحيط بالمرأة .

والجدير ذكره في هذا المجال، أن دور المرأة على مختلف المستويات والأشكال، ومساهمتها الكبيرة في عملية النهضة خلقت موقفاً "جديداً" فرض على المرأة والرجل في المنطقة العربية أن يقفا في المعركة ضد التخلف على مستوى القانون والمؤسسات والعقليات، إلا أن عمق هذا التقدم مازال على مستوى أقل بكثير مما يمكن الإطمئنان إليه .

إن دور المرأة في تحرير ذاتها أساسي، ولا يمكن التغافل عنه، ولا يمكن الإنتظار متى يتنازل الرجل عن بعض مكتسباته التاريخية، فليس هناك طبقة سادة في التاريخ تنازلت عن إمتيازاتها لطبقة مضطهدة عن طيب خاطر. فالمسألة مسألة كفاح مستمر ومنظم، الغاية منه تحصيل حقوق المرأة وتحريرها من القيود التي كبلتها واستعبدتها.

علينا أن نؤكد أن تحرير المرأة جزء أساسي من تحرير الرجل، فإن تحرير ناقص ومعوج للمرأة هو انتقاص واعوجاج في شخصية الرجل، فكلاهما بحاجة الى التحرر والخلاص من الأمراض والمفاهيم المتحكمة فيهما والمسيطرة على علاقتهما.

وهنا ينبغي الإشارة الى أن قيمة الإنسان والإهتمام به يجب أن ينبثق مما يقدم للمجتمع من إبداع وخلق وإنتاج لا لأنه رجل أو امرأة، والإنسان يقاس بتحرر عقله وعمق إدراكه، وانفتاحه على كل ما هو جديد وكل ما هو خلاق، وتحرره يقاس بتحكمه بمصيره وحريته في الإختبار والعمل.

لذلك نقول لا يمكن فصل تحرر المرأة عن تحرر الوطن والمجتمع، بل يجب أن يكون تحرر المرأة ضمن إستراتيجية شاملة تماشي تطورها، لأن مشاركة المرأة الفعالة في النضال تساهم في تحريرها من مشاكلها، بل يكون عنصراً "أساسياً" من عناصر النجاح .

إن الشروط الموضوعية وحدها لا تكفي لتحقيق هذا التحرر ما لم ترافقها مشاركة فعلية من قبل المرأة في العمل من أجل مهمات التغيير، لأنها تعد عضواً "أساسياً" وهاماً" لا يمكن التغاضي عنه، بعد أن أثبتت جدارتها وحضورها الكبير في المجتمع.