المثل الاخلاقية عند الامام علي (عليه السلام)

م.د خديجة حسن علي القصير

لوهلة يهمل الكثير منا ما ورد في كتاب "نهج البلاغة" فيما يتعلق بالمثل والاخلاق السامية في حين يشكل الجانب التربوي والاخلاقي ودون مبالغة ركنا اساسيا فيه، حيث كانت حياة امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام مليئة بالوصايا الارشادية الساعية الى اصلاح الفرد والمجتمع على حد سواء، وكان "نهج البلاغة" هو الوعاء الحامل لتلك الوصايا حيث ضم في ثناياه الكثير من الوصايا القائمة على المثل والاخلاق الحميدة في جوانب الحياة المختلفة فهو يعد اول كتاب في التربية والاخلاق بعد القرآن الكريم، وردت الكثير من الخطب والكلمات التي ذكر فيها "عليه السلام" الجوانب الفلسفية والتاريخية وما شابه وقد اتخذت من مسألة تربية النفس وتزكيتها هدف لها بشكل عام.

وفي مقدمة القيم الاخلاقية التي حث عليها الامام "عليه السلام" في نهج البلاغة "تقوى الله" حيث قال "عليه السلام" موصياً:" أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ، بَتَقْوَى اللهِ الَّتي هِيَ الزَّادُ وَبِهَا الْمَعَادُ: زَادٌ مُبْلِغٌ وَمَعَاذٌ مُنْجِحٌ، دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ، وَوَعَاهَا خَيْرُ وَاعٍ، فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا، وَفَازَ وَاعِيهَا. عِبَادَ اللهِ، إِنَّ تَقْوَى اللهِ حَمَتْ أوْلِيَاءَ اللهِ مَحَارِمَهُ، وَأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ، حَتَّى أَسهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ، وَأَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ؛ فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ، وَالرِّيَّ بِالظَّمَأ، وَاسْتَقْرَبُوا الأَجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ، وَكَذَّبُوا الأَمَلَ فَلاَحَظُوا الأَجَلَ"[1] فالملاحظ في خطبه "عليه السلام" حرصة على وجوب تقوى الله ومخافته قبل كل امر يبتغيه الموصي سواء كان امر بمعروف او نهي عن منكر دليل على يقين الامام "عليه السلام" في كون الوازع الديني هو اقوى وازع يدفع الانسان الى فعل اي شيء يرضي الله سبحانه وتعالى لاسيما اذا ما اتقاه الانسان يقول:" اوصيكم عباد الله بتقوى الله فانها حق الله عليكم، وَالْمُوجِبَةُ عَلَى اللهِ حَقَّكُمْ، وَأَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللهِ، وَتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللهِ: فَإِنَّ الْتَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَالْجُنَّةُ، وَفِي غَدٍ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ، مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ، وَسَالِكُهَا رَابحٌ، وَمُسْتَوْدَعُهَا حَافِظٌ"[2]، لذلك فتقوى الله سبحانه وتعالى ومخافته انما هي الفوز الحقيقي والمنجاة من اهوال يوم القيامة.

ومن القيم الخلقية العالية التي حث عليها الامام علي "عليه السلام" في نهج البلاغة الصبر فقد جاء عنه:" اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين... وعود نفسك الصبر على المكروه ونعم الخلق التصبر"[3] فهو هنا يحضر من الاستسلام للجزع ويؤكد على الامل بتأكيده ان مع الصبر قد تزال الهموم وتتبدل الاحوال وتتغير، وقد ربط "عليه السلام" الصبر بالإيمان وان لا ايمان بلا صبر بقوله:" اوصيكم بخمس لو ضربتم اليها آباط الابل... وبالصبر فان الصبر من الايمان كالرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس معه ولا في ايمان لا صبر معه"[4].

ومن القيم والمثل الاخلاقية التي حث عليها الامام وكان لها الاثر الواضح في اصلاح المجتمع وبنائه بناء قائم على اساس الخير للناس وصلاحهم هو العدل فأشار "عليه السلام" الى ان من الانصاف ان يوزن الانسان نفسه قبل ان ينظر الى غيره ولا يظلم احدا كما انه لا يحب ان يظلمه احد فقد وصى ابنه الامام الحسن "عليهما السلام" بقوله:" يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ولا تظلم كا لا تحب ان تظلم واحسن كما تحب ان يحسن اليك"[5].

فهو "عليه السلام" قد ايقن ان العدل مرتكز من مرتكزات الحكم لذا افرط في الحث على وجوب الالتزام والعمل به تجاه الرعية واشار الى قبح الظلم والظالم بقوله:" والله لان ابيت على حسك السعدان مسهداً، او اجر في الاغلال مصفدا احب الي من ان القى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد وغاصبا لشيء من الحطام، وكيف اظلم احدا لنفس يسرع الى البلى قفولها ويطول في الثرى حلولها"[6].

فالإمام "عليه السلام" اراد من خلال وصاياه هذه وتأكيده على القيم والمثل الاخلاقية ان يهذب ويقوم السلوك الانساني ويرتقي به نحو الفضيلة والابتعاد عن الرذائل والعفو عند المقدرة وكظم الغيظ، فهي تعاليم ارشادية تدعو الى خير الفرد وصلاحه حيث كان جل اهتمامه "عليه السلام" هو ان يثقف الناس بما يرفع من مستواهم ويفتح عقولهم ويربيهم على اساس الالتزام بالقيم الاسلامية السامية ويربيهم على التقوى واصلاح الذات والابتعاد عن كل ما من شأنه ان يشوب النفس الانسانية ويعكر صفوها.

 


[1] نهج البلاغة، الخطبة 191، ص206.

[2] نهج البلاغة، الخطبة 191، ص206.

[3] نهج البلاغة، ص461.

[4] نفس المصدر، ص617.

[5] نهج البلاغة، ص504

[6] نفس المصدر، ص548-549.