الإعلامي ودولة الحق 

يحيى الفتلاوي
 
لقد بات واضحا لكل من اطلع على مضامين الدين الإسلامي الحنيف مدى اهتمامه بالجانب الإعلامي وكيف أن استخدامه له كان حسب مقتضيات الحقبة الزمنية واحتياجات المجتمع وظروفه في كل فترة، فنراه قد اهتم في صدر الإسلام على دور التبليغ في سبيل نشر الدعوة الإسلامية وتبيان ملامحها وأهدافها وأحكامها، فيما استخدم فيما بعد لبث أخبار الدولة الإسلامية المختلفة حين ترامت أطرافها.
ولكنه في الوقت نفسه لم يهمل الجانب التوعوي ومهمة كشف الحقائق وفضح التزييف الذي ابتلي به الإسلام وقد كان من ابرز الصور الإعلامية في هذا الجانب ما حملته النهضة الحسينية والدور الكبير الذي قام به الإمام الحسين(عليه السلام) ومن ثم سيدتنا زينب الكبرى والإمام السجاد (عليهما السلام) في تعريف الأمة بما وصلت إليه من حال، مع عرض السبل الكفيلة بالخلاص.
ولم يقتصر الإعلام الإسلامي فيما بعد على تلك المهام فقط بل راح يواكب حركة التطور الإنسانية ويسايرها، رغم ما فرض عليه من فراق مع المجتمع بسبب ضغوطات الحكام المتسلطين على مقدرات الأمة الاسلامية.
واليوم إذ نعيش هذه الفترة العصيبة من حياة أمتنا ومعاناتها شتى صنوف العداء والتخريب الداخلي والخارجي.. هذه الفترة التي يؤكد فيها علماؤنا الأعلام على ضرورة الاستعداد لاستقبال دولة الحق، أصبح من الضروري على الإعلامي الإسلامي أن يتساءل في كل خطوة يخطوها وكل عمل يقوم به.. هل أنا ممن سيكون له مشاركة صحيحة ودور ايجابي في نصرة تلك الدولة؟.
ولشديد الأسف أن نرى بعضا من الإعلاميين وقد تأثروا بشكل كبير بالأساليب والشعارات والقوانين المنحرفة والبعيدة عن الدين والخلق الإسلامي الذي كان يفترض أن يكون طابعا مميزا لهم، فراحوا  يتخذون -على سبيل المثال-من شعار (الغاية تبرر الوسيلة) أسلوبا لتحقيق أهدافهم، وبالتالي فقد استساغوا صفة الكذب ما دامت تحقق لهم المصالح والأهداف التي يسعون وراءها، مخلفين وراء ظهورهم كل وازع شرعي أو أخلاقي، والأمرُّ من كل هذا أنهم راحوا يعتبرون الصادق بينهم حالة شاذة وغير صحيحة ويجب أن يعملوا على إبعاده عنهم بأية وسيلة كانت لكي لا يكونوا عقبة أمام تقدمهم في المناصب والمراتب والمواقع أو غيرها من الأهداف.
ومما لا شك فيه أن أمثال هؤلاء الإعلاميين لن يكون لهم دور مشرف في إسناد دولة الحق لأنها وبدون أدنى ارتياب لن ترضى عنهم وعن أساليبهم، وبما أنهم مقتنعون تمام الاقتناع بما يقومون به ويعتبرونه هو الصواب وما سواه الخطأ، فمن الطبيعي جدا أن يقفوا حينها في الجبهة الأخرى المناوئة لدولة الحق.
أما الإعلامي الذي يريد نيل شرف المشاركة في نصرة تلك الدولة المباركة فعليه من الآن أن يسعى جادا وجاهدا إلى محاربة أهواء نفسه وكبح جماحها وأن يطوع نفسه لاستماع الرأي الآخر وقبوله إن كان صحيحا وأن لا يجعل تحقيق مصالحه الخاصة وطموحاته مقدمة على كل الأمور، وأن يجعل مبادئ الإخلاص والدقة والصدق والأمانة سبيله الثابت في عمله لكي يحصد النجاح الحقيقي والمثمر بجعله مؤهلا للوقوف إلى جانب دولة الحق والعدل الإلهي.
وآخر الكلام  تذكيرٌ لجميع العاملين في الحقل الإعلامي الإسلامي حصرا بما جاء على لسان أمير المؤمنين عليه السلام قائلا: (..لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ اَلْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ..) وقوله أيضا(..مَنْ سَلَكَ اَلطَّرِيقَ اَلْوَاضِحَ وَرَدَ اَلْمَاءَ وَمَنْ خَالَفَ وَقَعَ فِي اَلتِّيهِ).