حضورُ القلبِ في الصلاة

 

علاء الدين الحسني

 

يقولُ الرَّسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصفِهِ للصلاةِ ((جعلَ اللهُ(جلَّ ثناؤُهُ) قرةَ عيني في الصلاةِ وحبَّبَ إليَّ الصلاةُ كما حبَّبَ إلى الجائعِ الطعامُ وإلى الظمآن الماء وإن الجائع إذا أكل شبع وإن الظمآن إذا شرب روى وأنا لا أشبع من الصلاة) .

نحن نبادر إلى الصلاة خمس مرات في اليوم على الأقل فهل نعيش مع الصلاة كما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معها وهل حبنا للصلاة كحبه الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهل أن مجيئنا إليها كمجيء الظمآن إلى الماء والجائع إلى الطعام وهل نشرب من معينها فنرتوي ؟

إن كان الجواب نعم فبها ونعمت، وإلا فهلمَّ نتعرف على الفرق بين صلاة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وصلاتنا

في مقام الجواب على هذا السؤال اقول إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يمر بحالة من النادر أن يتوصل إلى عمومها العامة بل ولا يصل الى حقيقتها أحد وهي حضور القلب في الصلاة وبها قد دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى

وللحديث عن هذا الأمر ينبغي علينا مناقشة أسباب شرود القلب

حتى يتسنى لنا اخذ الدواء الصحيح لهذه العلة بعد تشخيصها

عزيزي القارئ:

هناك العديد من الأسباب التي تؤدي  إلى عدم حضور القلب أذكر منه ثلاثة:

1. هناك بعض الذنوب تصبح حاجزا بين القلب والصلاة، فيكون القلب كالأعمى الداخل في بستان جميل هو في واد والصلاة في واد، يقول تعالى(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) .

2.الاهتمام بالدنيا والانشغال بها يجعل من الإنسان منشغلا عن الصلاة علما بان الصلاة هي أداة لتذكير الناس بأمر الله وأمر نبيه ففي رواية ((عن هِشامِ بنِ الحَكَمِ : سَأَلتُ أبا عَبدِ اللهِ (عليه السلام) عَن عِلَّةِ الصَّلاةِ فَإِنَّ فيها مَشغَلَةً لِلنّاسِ عَن حَوائِجِهِم ومَتعَبَةً لَهُم في أبدانِهِم ، قالَ :

 فيها عِلَلٌ ، وذلِكَ أنَّ النّاسَ لَو تُرِكوا بِغَيرِ تَنبيهٍ ولا تَذَكُّرٍ لِلنَّبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بِأَكثَرَ مِنَ الخَبَرِ الأَوَّلِ وبَقاءِ الكِتابِ في أيديهِم فحسب  لَكانوا عَلى ما كانَ عَلَيهِ الأَوَّلونَ ، فَإِنَّهُم قَد كانُوا اتَّخَذوا دينًا ووَضَعوا كُتُبًا ودَعَوا اُناساً إلى ما هُم عَلَيهِ وقَتَلوهُم عَلى ذلِكَ ، فَدَرَسَ أمرُهُم وذَهَبَ حينَ ذَهَبوا ، وأرادَ اللهُ تَبارَكَ وتعالى أن لا يُنسيَهُم أمرَ مُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وآله وسلم) فَفَرَضَ عَلَيهِمُ الصَّلاةَ يَذكُرونَهُ في كُلِّ يَومٍ خَمسَ مَرّاتٍ يُنادونَ بِاسمِهِ ، وتَعَبّدوا بِالصَّلاةِ وذِكرِ اللهِ لِكَي لا يَغفُلوا عَنهُ ويَنسَوهُ فَيَندَرِسَ ذِكرُهُ))

ولذلك يصف الله المتقين بقوله.

(رجال لا تلهيهم تجارة عن ذكر الله وإقام الصلاة)

3.عدم معرفة الصلاة معرفة حقيقية  وإلا من عرفها كان كرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلمحيث يروى عن إحدى زوجاته انه ص كان يكلمنا ونكلمه ويحدثنا ونحدثه فإذا جاء وقت الصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه

إذن ما هي الطرق الصحيحة لتحصيل أسباب حضور القلب في الصلاة؟

وللإجابة على ذلك نقول:

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز(أقم الصلاة لذكري) 

فالغاية من الصلاة هي ذكر الله لان اللام للتعليل

وجاء في الخبر أيضا: «لا يقبل اللهُ صلاة عبدٍ ما لم يحضر قلبه مع بدنه»

وهناك أمران يستبطنان جميع ما يكون سببا في حضور القلب وهما

1.القطع

2.الانقطاع

إما الأول: فهو أن تنفصل عن الدنيا بسبب دعوة  الله إليك

يقول السيد الامام((فاعلم أن حضور القلب سببه الهمّة ، فان قلبك تابع لهمّك فلا يحضر إلا فيما يهمّك ، ومهما أهمّك أمر حضر القلب شاء أم أبى فهو مجبول عليه ومسخّر فيه ، والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلا بل كان حاضرا فيما الهمّة مصروفة إليه من أمور الدنيا ، فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلا بصرف الهمة إلى الصلاة)) 

ويتحقق القطع بأمور منها:

1.انتظار الصلاة ولو لدقائق واعلم أخي القارئ العزيز انه ورد  إن المنتظر لصلاته كالمتشحط بدمه في سبيل الله

2.المبادرة إلى الصلاة في وقتها فقد ورد عن الإمام الصادق قوله(اختبروا شيعتنا عند مواقيت الصلاة)

وقال الصادق g:(فضل الوقت الأول على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا)

3.الاهتمام في الوضوء وقراءة الأدعية المستحبة في الوضوء وأثناء الوضوء

الأمر الثاني: الانقطاع وهو أن تستشعر بأنك في حضرة المعبود وتعيش حالة من دخل جنة فذهل عن إن ينشغل بسواها فيكون سعيدا بهذا المقام الذي وصل إليه

ويتحقق الانقطاع بأمور منها:

1.التأمل في  تفسير السور التي تقرأها في الصلاة ومحاولة التفكر في معنى الآيات (ولو المعنى الظاهري) .

 2.النظر إلى موضع السجود وهو من المستحبات  حتى لا تنشغل بالنظر إلى ما يدور حولك فقد ذهب بعض الفقهاء ومنهم السيد الخوئي إلى كراهية النظر إلى المصحف في الصلاة 

3.الصلاة جماعة فهي أيضا من الأسباب المهمة التي تجلب حضور القلب

حيث يقول (صلى الله عليه وآله وسلم((يد الله مع الجماعة))وفي رواية على الجماعة.

فلنسأل أنفسنا عن صلاتنا هل هي شكلية ومجرد حركات لأداء واجب، أم  محط رحال المحتاج المتعب الحزين وقد وصفت الصلاة بأنها منطقة استجمام لقضاء إجازة من الدنيا.