الوسطية في الخطاب الإسلامي المعاصر | العلامة شرف الدين والمرجع السيستاني انموذجا

قراءة في كتاب:

 

عنوان الكتاب: الوسطية في الخطاب الإسلامي المعاصر| العلامة شرف الدين والمرجع السيستاني وفقه الوفاق للتقريب بين المذاهب الإسلامية أنموذجا

بقلم الشيخ جواد أحمد البهادلي| أستاذ الدراسات الفقهية والأصولية في جامعة الكوفة

الناشر: دار المؤرخ العربي| بيروت| لبنان

الطبعة الأولى 1435 هـ| 2014 م

   

لقد اتّبع السيدان المرجع السيستاني والعلامة شرف الدين منهج الخطاب الواضح والحوار الهادئ مسلكا لمدرستهما التقريبية. وكان هدفهما الأسمى التوحيد والاعتصام بحبل الله.

  كما كانت هناك خطوات عملية على طريق الوسطية وصولا إلى التوحد، منها: البحث عن مواطن الالتقاء للحفاظ على البيضة العامة للإسلام ونبذ الفرقة والنفاق والاعتبار بالتاريخ والوقوف على أرضية مشتركة تعتمد على طاعة الله وإطاعة رسوله وتصور تعدد الطرق إلى الله والدعوة إلى الحوار.

  أما في جانب العامل الثقافي فقد اعتمد على التركيز في المناهج التعليمية على الاتجاه التقريبي التوحيدي وعدم التخبط في الفرقة وتأكيد شمولية الإسلام وعدم الإكراه وتوجيه الإعلام لمشاهد لقاءات العلماء وعدم إضاعة الوقت في تعاطي الفلسفات والنظريات العقيمة.

   وبخصوص العمل الديني، ينبغي توحيد المنهج وتثقيف الناس وعدم استخدام الكلام النابي وعدم استفتاء من ليس أهلا للإفتاء.

  أما العامل السياسي، فلا يجوز اخضاع الدين للسياسة، ونسبة الفشل السياسي للدين. وثمة عوامل أخرى كالعامل التاريخي والعامل الاجتماعي وسواهما.

المفكر السيد عبد الحسين شرف الدين وفقه الوفاق بين المذاهب:

     ولد في مستهل جمادى الآخرة 1290 هـ في الكاظمية المقدسة.

  الأسس والتوجهات الكبروية للمنهج الوحدوي لديه:

التركيز على أهمية الوحدة الإسلامية والسعي إلى تعيين الخط الفاصل بين الإيمان والكفر وإشاعة الثقة بين المسلمين وكشف العناصر الممزِّقة.

أما التوجهات التقريبية لديه فهي: جهاد الاستعمار ونظرته السوية للشيعة والسنة وعلاقته بدار التقريب واعتباره 12 ربيع الأول  مولدا للرسول(صلى الله عليه وآله)وتوعية الناس ونشره دراساته المقارنة وشمولية خطابه وتأكيده على المشتركات وتكثيف الثقة والتحاور الفعلي والالتزام بأخلاقيات الحوار والموضوعية والانفتاح على الآخر.

  أما مباني الشيد شرف الدين الفقهية للوحدة فلها دائرتان: الأولى دائرة تنقيح موضوع الوحدة إذ يرى السيد أن لذلك عناصر هي: أن الوحدة مقومة بالصلاح(والفرقة مقومة بالفساد) وأنها قائمة على أساس الفهم المشترك وأنه لا بد من ملاحظة النظرة الواقعية لأهل السنة وليس تطرف المتعصبين.

    والثانية دائرة تنقيح الحكم الفقهي لها: فالوحدة حكم فقهي شرعي واجب، تتكفل الأدلة والقواعد الفقهية مدى أهميته، وهي: قاعدة احترام المسلم وتجنب الفساد وكون قاعدة الوحدة مفروضة.

 وعن منهجه في نقد الجمهور، فقد اتبع ما يلي: خلق جو روحي هادئ لطرح المباحث العلمية ونقل الاتفاق قبل نقل الاختلاف والتحقيق السَّنَدي للأحاديث واستعمال الأصول العملية وتحويل حالة الدفاع والانفعال إلى حالة الفعل.

 

المرجع السيستاني(دام ظله الوارف) وملامح الوحدة والتقريب:

  هو آية الله العظمى السيد علي بن السيد محمد باقر بن السيد على السيستاني(دام ظله الوارف) له ورع ظاهر لقول المعصوم (عليه السلام): (كونوا لنا دعاة صامتين).

   ولد في 9 ربيع الأول عام 1349 هـ في المشهد الرضوي الشريف. بدأ بتعلم القرآن في الخامسة من عمره الشريف.

تمتاز مدرسة السيد السيستاني بالبحث المقارن بين فقه الشيعة الإمامية والمذاهب الأخرى، كما أنه أستاذ مقرن متمرس بين مختلف المدارس في مشهد وقم والنجف وسواها. أهّله ذلك ليحمل خطابا وسطيا مقبولا لدى كل الأطراف.

من ملامح الوحدة والتقريب لدى السيد السيستاني(دام ظله الوارف)كلمته المشهورة (لا تقولوا إخواننا السنة بل قولوا أنفسنا أهل السنة) والتأكيد على وجود أزمة سياسية ، لا صراع ديني، أو طائفي ورسالته إلى الشعب العراقي حول الفتنة الطائفية وتحريم الدم العراقي والتأكيد على الوحدة وأن العراق يحكم بأغلبية سياسية وتبني مواقف إسلامية وعربية (الاعتداءات على غزة) وعدم مطالبته بولاية فقيه مطلقة بل بولاية إسلامية والدعوة للطرق السلمية لتحقيق الهدف والتزام مبدأ الحوار مع أهل السنة وأن الحوار الهادئ هو الأسلوب الأمثل والدعوة لمعالجة الأمور بالحكمة وتواصله ورعايته الأبوية الشمولية على المستوى الديني: المذهبي والإسلامي والديني الأعم؛ وعلى المستوى الوطني: الشعب لا الشيعة فحسب: أنه ليس طرفا في أي نزاع والدعوة لعدم تدخل الأيادي الأجنبية ورفع التجاوزات عن ممتلكات أهل السنة وإقامة صلاة الجمعة وتحريم التصرف بالمال العام والتأكيد على رغبة الشعب في شكل الحكم والمحافظة على الثوابت ونظام التعددية  وتحقيق المصالح العليا للشعب ورفض المحاصصة والطائفية ومشاركة جميع الطوائف في تشكيل الحكومة وعدم تجويز بيع الآثار وكون الجيش العراقي جيشا موحد الهدف، والدعوة إلى السلم والتأكيد على وحدة العراق وتعبيرات الاحترام في مراسلاته وخطاباته وعدم منعه مشاركة المرأة  وترجيح الذهاب إلى الانتخابات على زيارة الحسين(عليه السلام) ومواصفات القائمة المنتخبة والمرشح والمطالبة بإلغاء الامتيازات غير المقبولة والتحذير من مغبة النهج الخاطئ لإدارة الدولة وعدم الإقرار بمشروعية الاحتلال وسوى ذلك كثير.

 وختاما فسيرة السيدين تدل على أنهما شخصيتان متألقتان، ذوا أفق واسع في مجالات الدراسات الإسلامية وفي الفكر التقريبي الوحدوي بما لديهما من صدر رحب حتى لمن يكنّ لهما العداء. 

قراءة: أ. د. حميد حسون بجية