مركزية الامام الحسين (عليه السلام) بالمذهب الجعفري

سعد عبد الحسين 
الصورة: احمد القريشي  
     

رب العزة والجلالة خصّ الامام الحسين بخصوصيات منذ ولادته، منها:

1.     اوحى الله تعالى الى مالك خازن النيران ان اخمد نيرانها على اهلها كرامةً لمولد ولد محمد ( صلى الله عليه واله وسلم).

2.     اوحى الله تعالى الى رضوان خازن الجنان ان زخرف الجنان وطيبها كرامة لمولد ولد محمد ( صلى الله عليه واله وسلم)

3.     اوحى الله تعالى للحور العين أن تَزينَّ و تزاوَرنَ لكرامة مولود ولد لمحمد (صلى الله عليه وآله)

4.     أوحى الله تعالى إلى الملائكة (الجمع المحلّى بأل يعني كل الملائكة) أن قوموا صفوفا بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير، لكرامة مولود وُلد لمحمد (صلى الله عليه وآله)

5.     واوحى الله تعالى إلى جبرائيل (عليه السلام) أن اهبط إلى نبيي محمد في ألف قبيل،( والقبيل  يعني ألف ألف ملك اي مليون) على خيول بلق مسرجة ملجمة، عليها قباب الدر والياقوت، من نور أن هنّئوا محمدا بمولوده وأخبره يا جبرائيل أني قد سميته الحسين.

هذه هي عظمة الحسين (عليه السلام) عند الله سبحانه وتعالى. وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عندما اسري بي رأيت على ساق العرش مكتوب:

الحسين امام هدى وسفينة نجاة

وقال (صلى الله عليه واله وسلم) ولدي هذا امام ابن امام واخو امام وابو أئمة تسعة آخرهم مهدي هذا الامة.

وقال (صلى الله عليه واله وسلم) حسين مني وانا من حسين أحب الله من احب حسيناً، وقال (صلى الله عليه واله وسلم) ان الله اذا احب عبداً قذف في قلبه  حب الحسين وزيارة الحسين.

وقال الامام الصادق (عليه السلام) لأصحابه وطلابه: مروا شيعتنا بزيارة قبر جدي الحسين فأن إتيانه يزيد في الرزق ويطيل العمر ويقي مصارع السوء .

هكذا نرى كل ائمة اهل البيت ربطوا شيعتهم بالحسين (عليه السلام) وزيارة الحسين (عليه السلام) ففرضوا الزيارة في كل المناسبات والاعياد ومواليد الائمة الاطهار. فولادة الامام الحجة (عليه السلام) بالنصف من شعبان اهم عمل فيها زيارة الحسين. وحلول الاشهر المعظمة مثل رجب وشعبان ورمضان ومحرم اهم اعمالها زيارة الامام الحسين (عليه السلام).

الان نتساءل ماهي اسباب هذا التركيز على الحسين (عليه السلام) دون غيره من المعصومين الاربعة عشر وفيهم من هو اعلى مرتبة ومكانة من الامام الحسين (عليه السلام) فرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الذي هو اشرف المخلوقات وأعزها على الله تعالى امرنا بزيارة قبره الشريف في المدينة عند الذهاب للحج والعمرة لمرة او مرتين بالعمر ولم تفرض زيارة كل عام.

اما الحسين (عليه السلام) فمفروضة زيارته على الدوام واذا لم تتحقق الزيارة المكانية للحضور الى كربلاء نقول السلام عليكم يا ابا عبد الله عليك مني سلام الله ابداً ما بقيت وبقي الليل والنهار.

فلماذا هذا التركيز الشديد بربط الامة الاسلامية بالحسين (عليه السلام)؟

أن اهم الاسباب الموجبة لهذا التركيز هي:

1.     ان الامام الحسين (عليه السلام) وابنائه واهله واصحابه الذين استشهدوا معه عليهم السلام اجمعين  قد اعطوا لكلمة الجهاد  في سبيل الله درساً عملياً حيث تقدموا جميعاً للشهادة باختيارهم ومع علمهم بحتمية الموت تقدموا للشهادة في سبيل الله وهم على اليقين بانهم بدمائهم سينتصرون على اعداءهم ليس في زمانهم فقط . ليس على جيش يزيد واعوانه فقط... بل على كل قوى الظلم في التاريخ البشري الى يوم القيامة... لقد اعطوا لكلمة الثورة على الظالمين معنى عملي طبقوه على انفسهم ليكونوا قدوة للثائرين على مدى الزمان وعلى تعاقب الاجيال. وصدق من قال:

كذب الموت فالحسين مخلدُ            كلما خلق الزمان فالحسين يتجدد

2.     لقد اُريد ان يكون الحسين (عليه السلام) رمزاً للثائرين الى زمن ظهور الامام الحجة (عليه السلام) حيث سيكون شعار نهضته المباركة يالثارات الحسين. وقد اصبح اسم الحسين ( عليه السلام) مرتبطاً بالثورة ضد الظلم والحكام الظالمين  عبر التاريخ البشري. فبمجرد ان يرفع اسم الحسين (عليه السلام) يعني هناك ظلم و ظالم وهناك ثورة ضد الظلم.

3.     ان كل الائمة الاثنا عشر وكل المعصومين الاربعة عشر استشهدوا اما بالسم او بالسيف ولكنهم  لم يلاحظوا بأعينهم استشهاد ابناءهم واهلهم واصحابهم قبلهم. لم يستشهدوا وهم غرباء وعطاشا ولم تحيط بهم الاعداء الشامتين ولم تسبى نساءهم واهليهم.

احد العلماء الاعاظم حضر مجلساً حسينياً صاح هذا العالم وقال القارئ: ودخلت زينب بنت علي (عليه السلام) الى مجالس يزيد بن معاوية صاح هذا العالم وقال: قف يا ايها الخطيب حتى تعطي لهذه الكلمات ما تستحق من البكاء. الامام الحسين (عليه السلام) اراد ان يكون استشهاده محفوف بالمظلومية لان البشر بطبعه سيتعاطف مع كل مظلوم. فكيف اذا كانت المظلومية مظلومية الحسين (عليه السلام)  والتي قال عنها الامام الحسن (عليه السلام): لا يوم كيومك يا ابا عبد الله. يوم العاشر من محرم لسنة 61 هجرية هو يوم الحسين (عليه السلام) وسيبقى هذا اليوم لوعة وحرقة في قلوب المؤمنين الى يوم القيامة.

4.     الله تعالى حكى قصة استشهاد الامام الحسين ( عليه السلام) في القرآن الكريم فقال عز من قائل في سورة البقرة. الاية 217 :

((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) [ البقرة: 217]

القتل في الاشهر الحرم وهي شهر ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب كان محرماً حتى في زمن الجاهلية قبل الاسلام. والحسين (عليه السلام) هو اول من استشهد بشهر محرم، والحسين اخرج من بيت الله الحرام قبل ان يتم حجته، لانه علم ان جيش ابن زياد سيصل الى مكة وخاف ان تنتهك حرمة الكعبة فحل احرامه وخرج من مكة في يوم الثامن من ذي الحجة، اي قبل يوم الحج الاكبر في يوم العاشر من ذي الحجة. والآية توضح ان في ذلك فتنة وان القتل والقتال سيستمر لشيعة الحسين (عليه السلام) ليصدوهم عن هذا المنهج بأن يحبط الله جميع اعماله بالدنيا والاخرة ويكون من اصحاب النار. ففي كل زمان يوجد شعار للاحرار اطلقه الامام الحسين (عليه السلام) وهو هيهات منا الذلة.

5.     الامام الحسين (عليه السلام) ورث مسيرة الانبياء اجمعين ففي زيارة وارث نقول السلام عليك يا وارث ادم ونوح وموسى وعيسى ومحمد سلام الله عليهم اجمعين فجميعهم جاءوا بدين واحد وهو ان يعبد البشر رب العزة ويسيروا بمنهاجه القديم الذي يضمن لهم سعادة الدنيا والاخرة: فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):

نحن معاشر الانبياء ديننا واحد... وما انا  من بقية الرسل الا كرجل بنى بيتاً الا ما وضع لبنة وانا تلك اللبنة.

فلولا  ثورة الامام الحسين (عليه السلام) لذهبت جهود كل الرسل هباءً لا سامح الله ولما وصل الدين الينا اليوم. ولولا الحسين (عليه السلام) لما صلينا وصمنا هذا اليوم. لذلك كان ولايزال بعض علماءنا الاعلام عندما يسمع الاذان يقول:

السلام عليك يا ابا عبد الله الحسين

الحسين (عليه السلام) اسس للثورة والتضحية في سبيل الدين بالمال والاهل والولد والاصحاب وبالروح وبكل ما يملك الانسان لكي يبقى للثائرين  حجة عبر التاريخ . فاذا تعرض الدين للخطر علينا ان نبذل الغالي والنفيس فداءً لحماية الدين وضمان ديمومته.

لذلك رأينا بعد ثورة الحسين (عليه السلام) قامت سلسلة من الثورات ضد بني امية مثل ثورة التوابين وثورة المختار بالكوفة وثورة عبد الله ابن حنظلة بالمدينة و ثورة عبد الله ابن الزبير في مكة. وهذه الثورات هدمت عرش بني امية واسقطت دولتهم.

6.     الامام الحسين (عليه السلام) جعله الله تعالى باباً من ابواب الدخول  الى جنانه، فمحبّته تجلب حب رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم)  وحب الله تعالى. ومن احبه الله تعالى ادخله جناته. البكاء عليه يطفئ نار جهنم كما قال الامام الصادق لو ان قطرة من قطرات الدمع على الامام الحسين ( عليه السلام) سقطت في نار جهنم لأطفأتها. من شارك بشعائره سجل انه من خَدَمة الامام الحسين (عليه السلام) والخدمة شرف ولها اجر عظيم. ان بمجرد ان يقول الموالي يا ابا عبد الله ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيماً يكتب عند الله تعالى من اصحاب الحسين (عليه السلام) الذين استشهدوا معه.

7.     الله تعالى عالم الغيب والشهادة وعلمَ ان هنالك قوى استكبارية متمثلة بالحكام الظلمة والدول المستكبرة سوف تفرض هيمنتها وسيطرتها على الشعوب لتذيقها الويلات والذلة ولهذا ستحتاج الشعوب الى ثائرين أباة يقفون في وجه هذا الاستكبار فأراد رب العزة والجلال ان يكون الحسين (عليه السلام) شعار وقدوة ومثل اعلى لهؤلاء الثائرين الذين سيقودون شعوبهم نحو العزة والكرامة.