نقد الفكر الديني

قراءة  في كتاب
عنوان الكتاب: هوامش على كتاب نقد الفكر الديني 
من إصدارات وزارة الثقافة| دار الشؤون الثقافية| سلسلة علم وأثر|
المؤلف: المفكر الإسلامي الإمام الشيخ محمد حسن آل ياسين
الطبعة الرابعة 2010

 

     يتألف الكتاب من (تقديم) بقلم الدكتور يوسف اسكندر و(بين يدي البحث) وهوامش على الفصول الخمسة من الكتاب الأصلي.
   ويشير المؤلف في (بين يدي البحث)إلى صدور كتاب بعد نكسة حزيران عام 1967بعنوان(النقد الذاتي بعد الهزيمة) ومؤلفه الدكتور صادق جلال العظم. ويقول الشيخ أن مؤلف ذلك الكتاب أقحم (موضوع الإيمان بالغيبيات الدينية في قائمة علل الهزيمة وأسبابها). ويتساءل الشيخ عن الدوافع وراء صدور مثل هذا الصوت وفي مثل هذا الوقت. وبعدما انبرى له المخلصون بالرد عليه، صدر له كتاب جديد أسماه (نقد الفكر الديني) وكان (جانب الإثارة فيه من الغلاف إلى الغلاف). وتوقع البعض أن الكتاب سيحدث ضجة لاسيما في لبنان، بلد إقامة المؤلف وطبع الكتاب. خاصة وأن الكاتب ركز على (الفروق الدينية الأساسية بين الفكرين الإسلامي والمسيحي). ويتساءل الشيخ عن سبب اختيار المؤلف أيام الأزمة لنشر الكتاب(وأين كان عن هذه الحقائق يوم لم تكن هزيمة ولم يكن احتلال؟) وينبه الشيخ المؤلف إلى تعاون روسيا، قاعدة الماركسية اللينينية، مع أمريكا سيدة الرأسمالية ضد الخطر النازي المشترك. فلماذا ينكر الكاتب تعاونا من هذا القبيل بين الإسلام والمسيحية ضد الاستعمار والصهيونية؟ 
  ولمَ التأكيد على التناقض الأساسي بين المسيحية والعلم الحديث؟ ولمَ التأكيد على اعتقاد المسلمين بتحريف الإنجيل؟ ولماذا القول أن الحوار الإسلامي المسيحي هو أقرب إلى حوار الطرشان؟ ولماذا الإشارة إلى البرجوازية السنية في الطرف الإسلامي في لبنان؟ ومن المنتفع من كل ذلك غير العدو الصهيوني وأسياده؟ ويتأكد لنا ذلك عندما نقرأ ما ينكره الكاتب أشد الإنكار من (جعل الاستعمار-وأحيانا الصهيونية العالمية-يبدو وكأنه القوة الوحيدة المتحكمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بحركة المجتمع العربي). ثم يعلن الكاتب بصراحة (إن توجيه كل الطاقات لحرب الاستعمار لم يكن صوابا، لأنه سبب الإهمال التام لأوضاع القوى والمؤسسات والتنظيمات والمجهودات الذهنية الموجودة.) ثم يقدم الشيخ نموذج الثورة الجزائرية إذ انتزع الشعب الجزائري النصر من أعدائه دون الانشغال بمؤسساته وتنظيماته ومجهوداته الذهنية. 
     ويعرج الشيخ على ما يشهده الحوار المسيحي–الماركسي ضمن علاقة جديدة حدثنا عنها الفيلسوف الماركسي الشهير روجيه غارودي الذي يقول إن الحوار يجري على ثلاثة مستويات: التعاون العملي والبوادر النظرية والعملية وتصوراتنا عن العالم. 
      وفي(هوامش على الفصل الأول) يقول الشيخ أن الكاتب خصصه للاستهزاء (بالفكر الإنساني المؤمن بالله -تعالى- على امتداد التاريخ). فالكاتب لا يحدد المقصود من الفكر الديني سوى القول أنه(مجموعة من المعتقدات والتشريعات والشعائر والطقوس والمؤسسات التي تحيط بحياة الإنسان). لكنه يتراجع عن هذا التعريف في مكان آخر من كتابه ويقدم له تعريفا آخر مختلفا تماما فيقول انه(الإنتاج الفكري الواعي والمعتمد في ميدان الدين، كما يعبر عنه صراحة على لسان عدد من الكتاب أو المؤسسات أو الدعاة لهذا الخط). ويقول الشيخ إن الإنتاج الفكري الواعي هذا ليس فكرا دينيا أبدا(وإنما هو من الشروح التي قد تصح وقد لا تصح في الميزان الفكري الديني الصحيح). 
  وفي (هوامش على الفصل الثاني)يذكر الشيخ ما ركز عليه الكاتب مما أسماه(مأساة إبليس)إذ يريد أن ينقذه مما لحق به من سوء السمعة والذكر وما ناله من غضب ولعنة. 
   وفي (هوامش على الفصل الرابع) يذكر الشيخ أن الكاتب قد اختار لهذا الفصل عنوانا ضخما وهو(التزييف في الفكر المسيحي المعاصر). 
   أما في الفصل الخامس، فيتناول الكاتب (التصور العلمي-المادي للكون وتطوره). وهو ما سنتناوله بقدر من التفصيل. ويظهر الكاتب وهو منكر لوجود الله كل الإنكار. وهو يفتخر بذلك ويتبجح. ويتخذ من عبارة(هل القضية "الله موجود" قضية صادقة أم كاذبة أم أن صدقها جائز جواز كذبها). وهو يؤكد أنه لا يمتلك أدلة لترجيح أي من هذين الاحتمالين على الآخر. 
  ويتناول الشيخ نقاطا ضرورية يسميها في صفحة لاحقة (اللحظات التمهيدية). الأولى ذهاب الكاتب إلى وجود صورتين للكون: المفهوم المثالي الروحي والمفهوم المادي. وهو لا يذكر المفهوم الثالث، ألا وهو المفهوم الإلهي الذي يقوم على الأساس الواقعي الذي تقوم عليه الفلسفة المادية الذي يؤكد (على أن الكائنات عبارة عن حقائق موجودة مستقلة عن الفكر والشعور). والفرق بين المفهومين أن المفهوم الإلهي (يختلف عن المادية بالسبب اللانهائي لكل هذه المدركات، كما ويختلف عن المثالية بإيمانه بالواقع الخارجي لحقائق الكون). 
      تتعلق الملاحظة الثانية بالصورة الكونية التي جاءت بها المادية الميكانيكية والتي يعتبرها الكاتب الصورة العلمية الرائعة. ويزعم الكاتب أنها اقتلعت الصورة الدينية السابقة عليها. وهو يعول كثيرا على المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية المستخلصة من كتاب نيوتن. لكن المادية الديالكتيكية تأخذ على مادية نيوتن-الميكانيكية- الساكنة نزعتها التجريدية. وهناك ما تقول به المادية الديالكتيكية من نسبية الزمان والمكان على خلاف ما تعتقد به المادية الساكنة من مكان مطلق وزمان مطلق وسكون مطلق وحركة مطلقة. 
  والملاحظة الثالثة هي أن الكاتب يقول إن النقد اليميني-أي الديني- الموجه للمادية الميكانيكية لم يكن له أي تأثير على طرقها الناجحة في تفسير الظواهر. 
     وتتركز الملاحظة الرابعة على أن الكاتب لا يعطينا حلا لمسألة "الكائن الأول"، خاصة وان النظرية العلمية لا تعترف بالخلق من لا شيء.
وتعالج الملاحظة الخامسة قضية العزلة والترابط بين كافة الموجودات في الكون التي يعتبرها الشيخ خارج إطار البحث. ويقول الكاتب إن المادية الديالكتيكية تشدد على حقيقة الترابط العضوي الجوهري بين الموجودات في الكون، مقابل ما تركز عليه النظرية القديمة-أي الدينية-من عزلة. ويقول الشيخ إن المادية الديالكتيكية لم تأت بجديد إذ أنها اتبعت الفكر الميتافيزيقي الذي يركز على خضوع الموجودات الكلية لمبدأ العلية الكبرى. 
  ويعود الشيخ إلى صلب الموضوع بعد هذه اللحظات التمهيدية. فيقول: قام الكاتب بشرح الصورة الكونية التي استمدها من (تصوره العلمي المادي). فاستعرض المادية الميكانيكية أولا ثم عرج على المآخذ عليها، ثم شرع بعرض المادية الديالكتيكية التي اعتبرها انجح محاولة في صياغة صورة كونية متكاملة تناسب العصر وعلومه. وفي هذه الصورة تكون "الحركة" هي اللبنة الأولى في صرح الصورة الكونية وأساس البحث وغايته. ويقول الشيخ إن ديناميكية المادة لم تكن من مخترعات الفكر الديالكتيكي، وإنما ورثتها من الفلسفة اليونانية(ثم تبلورت وتشذبت واتضحت معالمها التفصيلية على يد الفيلسوف المسلم الكبير صدر الدين الشيرازي من رجال القرن الحادي عشر الهجري). ويولي الشيخ نظرية الشيرازي شرحا، فيقول إن "الحركة" عند الشيرازي إما طبيعية أو قسرية أو إرادية. ثم يقارن ذلك بما يقوله ستالين. ويخلص الشيخ إلى (أن الميتافيزيقية الواعية مؤمنة بالحركة كل الإيمان وقبل أن تتكون وجهة النظر الديالكتيكية بعهد طويل). 
   ثم يتساءل الشيخ عن الفرق بين الفكرين الديني والديالكتيكي اللذين يتفقان على "الحركة". ويقول إن العلة تكمن في الخلط الذي وقعت فيه الديالكتيكية بين جانبي القوة والفعل وهو ما يسمى بـ"التناقضات"، وهو ما وقع فيه الديالكتيك(بخلطه بين الاثنين-جهلا أو تجاهلا) فلم (يجد بدا من استعمال كلمة "تناقضات" لتبرير المسألة). ثم إن الديالكتيك يعول على الشيوعية للقضاء على هذه التناقضات، دون الإفصاح عن كيفية ذلك. لكن الماركسية تجيب عن ذلك بالقول إن الحركة ذاتية للمادة فهي ليست بحاجة إلى سبب. وإزاء ذلك يعرض الشيخ ملاحظات: أولاها: إذا كانت الحركة ذاتية، فلماذا تتطور ذرات معينة من عنصرها وتبقى أخرى على حالها؟هل هناك قوة عاقلة داخل الحركة تجمد قسما وتطور قسما؟ والثانية: أن الماديين يعترفون بأن للمادة صور متباينة: منها البسيطة مثل الفوتون والالكترون والبوزترون والانتي نترون وغيرها؛ ومنها المعقدة مثل الذرات والجزيئات؛ ومنها الأكثر تعقيدا مثل الغازات والسوائل والأجسام الصلبة والإجرام السماوية وغيرها. فهل أن الحركة الذاتية هي السبب في هذا التنوع؟ أم أن ثمة سببا فوق المادة؟  والثالثة: تشير نتائج البحث العلمي إلى أن المادة في أصلها البعيد حقيقة واحدة لا تنوع فيها ولا تعدد. فلا بد أن يكون التنوع لها شيء فوق العادة.
   ثم يقدم الشيخ أربعة نماذج من الآثار الخارجية الحسية: النموذج الأول: تكون الإنسان من خلية واحدة. ويتعرض لما يكتنف تطور الجنين وحياة الإنسان من عجائب مما(يدهش الفكر ويقيم ألف دليل ودليل على أن هذا النظام الدقيق في هذا الجسم لم يخلق عشوائيا ولم يوجد صدفة ولم يحدث نتيجة حركة المادة الصماء العمياء المتخبطة).
  النموذج الثاني: فصائل الحيوان التي تقدر بأكثر من مليوني فصيلة وما فيها من العجائب والغرائب(وكلها شواهد الخلق والإبداع والصنع المتقن).
    النموذج الثالث: النبات ذلك العالم القائم بذاته الذي ما زال العلماء (يشاهدون في كل يوم جديدا لم يسبق لهم معرفته).
  النموذج الرابع: خلق الأرض وما يحيط بها من غلاف غازي مؤلف من عدة طبقات، وما تتمتع به من أبعاد لو زادت أو نقصت قليلا لكان فيها حتف الكائنات التي تقطنها. ويتساءل الشيخ عن حدوث ذلك مصادفة أم من تخبط المادة وعشوائيتها!
 ويفيض الشيخ في الحقائق العلمية عن هذه النماذج التي لا يمكن أن تكون دون مدبر.
   ختاما، فلا شيء يغني عن الاطلاع على الكتاب والردود المفحمة التي تقع بين دفتيه واللغة السلسة التي يعتمدها الشيخ في تحقيق ذلك.
 
قراءة: أ د حميد حسون بجية