حديثٌ مع العقل

بقلم: أحمد السراي

 مثل حبّاتِ مطرٍ ساقطةٍ من السماء، تتجمّعُ وتملأُ أنهارًا وبحارًا، لكنّها ليستْ غيثًا لتكونَ خيرًا، إنّما هي أحيانًا تكونُ عذابًا وعقابًا..

تلك الحبّاتُ الصغيرةُ شبيهةٌ باللمَمِ من ذنوبِنا عندما تتجمّعُ وتكونُ سببًا لغضبِ الربّ..

تأخذُنا الغفلةُ عن تحطيمِ تلك الذنوبِ بمِعَولِ الإرادةِ ومُراجعةِ النفس..

حين أستلقي وأراجعُ شريطَ ذكرياتي وأُحاولُ مُحاسبةَ نفسي والاعترافَ بأخطائي أبدأُ من حيث يستطيعُ العقلُ تذكُّرَه من الطفولةِ للكهولة، أراهُ  يعترفُ بكُبرياتِها ولم يُبالِ بصغائرِها (اللمم)، فيبدأُ عقلي ببرمجةِ نفسِه ويُعطيني ما لا أُريدُ..

وكوني مؤمنًا باللهِ (سبحانه وتعالى) الذي زرعَ تلك البذرةَ الإيمانيةَ في قلبي، أعيدُ الكرّةَ مرّةً أخرى لعلّه يُعيدُ ويتذكّرُ ما أرتكبَ هذا العبدُ الذليلُ ليطلبَ المغفرةَ من الربِّ الجليل..

هُنا عقلي يوحي إليه بتنظيمٍ آخر؛ بالاعتمادِ على تلك البذرةِ، ويأخذني إلى شريطٍ آخر من الذنوبِ  لأكبرِها  وأعظمها ، وليس لأقدمِها، رغمَ هولِ عقابها، ويتغافلُ عن الذنوبِ الصغيرة، التي كُلّما حاولتُ تذكُّرها  _وما أكثرها وما أعظمها إنِ اجتمعتْ وما أهونها  حين أبدأُ بتفكيكِها وإصلاحها!_، وطلبَ المغفرةِ من ربٍّ غفورٍ رحيمٍ عنها..

أُحاولُ وأحاولُ كي لا أدعَها تسوقني إلى جهنم _لا سمح الله_ ولا أجعلها تُسيطرُ على جوارحي لصغرِها؛ فهي مثل حبّاتِ المطرِ بحجمِها على الرغمِ من صغرِها، لكنّها تُسقِطُ مدنًا بسببِ هولِ غزارتِها، وقد تُسبِّبُ فيضاناتٍ وسيولاً مُدمِّرةً،  سأسوقُها إلى مجاريها؛ كي أحمي نفسي من آثارِها ولن أستسلمَ لعقلي والتشبُّث بكبارها، وأخسر تلك الفرصةَ التي منحَها لنا ربُّنا (جلّ وعلا) لنكونَ من الأوّابين والتوّابين.. وأحاولُ تنقيةَ نفسي من صغارِها قبلَ كبارها..

نعم، كبيرُها هو أكثرُ من يحتاجُ إلى العودةِ والاعترافِ بها والكفاحِ من أجلِ تفتيتِها وإسقاطها من قاموسِ أعمالي وأسعى لرضا الله (تعالى) عنّي.  

قال (تعالى): ﴿الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم﴾[النجم/32]