الوَلاء الروحيُّ بِالنصِّ الشعريِّ المُشرقِ

*صباح محسن كاظم

ثَمَّة تَناغمُ بين الرُّوحِ وَعِطر البَوحِ بِالنَّصِّ الشِّعريِّ  الأَخلاقيِّ التَّربويِّ الوَصفيِّ القَائمِ على إِشاعةِ الفَضيلةِ بِنَشيدٍ يشدو بِالمَجدِ لِكبرياءِ الخلودِ لمواكبِ العَطاءِ للنَّبيِّ وآلِـهِ الكِرامِ.

فَالنَّصُّ الشَّعريُّ الوِجدانيُّ العَفيفُ يُخاطبُ العَقلَ النَّقيَّ  بِجدوى الإيمانِ بِالرِّسالةِ السَّماويةِ؛ ويُساهمُ بِإِنشراحِ النَّفسِ التَّواقةِ للتَّكاملِ، بِالدُّنُو، والإِنسجامِ، والإِقترابِ مِن رُموزِنا الرُّوحيّةِ العَقائديةِ مِن نبيِّنا الخَاتمِ وَفَاطمةِ الزَّهراءِ  إلى أملِنا المَوعودِ.

نُصوصُ الأَديبِ المُبدعِ "علي جوده الرفاعي" تَتفاعلُ مع رِسالتِها الرُّوحيَّةِ. فَالنَّفسُ التَّواقةُ لِلهُدى تُباركُها مَلائكةُ السَّماءِ بِزمنِ نَدَرَ وَقَلَّ وَشَحَّ بها قَولُ الحَقِّ، فَرياحُ العَولمةِ، وعصرُ العَولمةِ سَلَخَت الهَوياتِ وَجَردَّت الأَنسنةَ مِن نسغِ وَجَوهرِ الإِيمانِ إلى دُروبِ التَّنكرِ للتَّوحيدِ والرِّسالةِ وقَطعِ الصِّلةِ مع الرَّمزِ الدِّيني الذي هو الإِصطفاءُ والإختيارُ الإلـهي. مايصلح للبَشريةِ مبادئ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ وآلِـهِ الطَّاهرينَ.

لذلك سِمة الضَّياعِ بِعالمٍ زائفٍ مُهلهلٍ هَشِّ الوجودِ الثقافيِّ والمعرفيِّ والفكريِّ.. لذا رسالة تلك القصائد تَحملُ الموقفَ الإِنساني بِوجودِنا المُعتمِ لِتضيءَ العُقولَ وتَخُطُّ المَساراتِ للدُّروبِ.. أَين نَسلُكُ وَنَضعُ أَقدامَنا وَنَتبعُ عُقولَنا كما فَعلَها حَشدُنا المُظفَّرُ بِإقتداءِ الأَثرِ لِيُحققَ النَّصرَ المُؤَزرَ..

سيرة الأَديب:

لِإِنعكاسِ عَمَلِه التَّربويِّ بِشَخصيَتِهِ المُتَّزنةِ الوَاضحةِ الوَاقعيةِ المُؤمنةِ لها تأثيرٌ بِمُجملِ القَصائدِ، مذ عَرفتهُ بالنَّشرِ بِالعلم الأزرق، ومجلاتِ العَتَباتِ المُقدسةِ، واللقاءاتِ الشَّخصيةِ.. أَجده إِختطَّ مَعالمَ القَصيدةِ التي لا تُوجهُ للغَرائزِ أو الإِسفافِ وللتَّضليلِ، أو التَّكسبِ لِلمديحِ. فَالإنشغالُ بِالهَمِّ المُقدسِ يُؤشرُ عُمقَ الإِيمانِ الرُّوحي الذي طَبعَ به الأَديبُ مُجمَلَ قَصائدِ ديوانِهِ (عَناقيد مِن عِنَبِ) ..

الصُّورُ البَلاغيةُ بِالنُّصوصِ الشِّعريةِ:

رَكَّزَ الأُستاذُ الأَديبُ علي جوده الرفاعي على الإِهتمامِ بِالبَلاغةِ بِإِسلوبِه الشِّعريِّ الوَصفيِّ بِالمدائحِ النَّبويّةِ، والعَلويَّةِ،  والحُسَينِيَّةِ، والمَهدَويَّةِ.. فَالقُدرةُ على  النَّظمِ المُموسقِ الذي يُثيرُ الإنشراحَ بِالوَصفِ لِمَكارمِ النَّبيِّ العَظيمِ وآلِـهِ المَعصومينَ ،تَفوقُ بالمديحِ والرِّثاءِ الذي تَجلَّت به المَقدرةُ الشَّاعريةُ لِصياغةِ القَلائد التي تُجمِّلُ صَدرَ القَصيدةِ وتُزينُها بِرِداءٍ بَهيٍّ  جَذَّابٍ، مُفتتح الدِّيوانِ بِقصيدةٍ عن رَسولِ اللهِ ترجُـمَـان الوَحي

بالنَّبيِّ بالأَميـن   نورِ رَبِّ العَالمين

إِنَّنا نحنُ ٱقتدينا      بِالوَصيِّ مُهـتَديـن

إِنَّـهُ المَولى عليٌّ

                حَبـلُـهُ الحَبلُ المَتين

بَعدهُ السِّبطُ الزَّكيُّ

               لَـمَّ شَملَ المُسلمين

خَالفُوهُ قَـاتَلـوهُ

               حَارَبـوا السِّبطَ الحُسَين

في بيانٍ بليغٍ يَسحَبُ الأَحداثَ التَّاريخيةَ لمآلِ ما جرى بِزَمنِ النُّبوةِ، ودور الرَّسولِ الأَعظمِ بِإِضاءةِ العُقولِ ثم ما جرى مِن أحداثٍ نَالت مِن أَهلِ البَيتِ تثيرُ الأَسى بِإِبعادِهم عَمَّا وَصَّى بِهم نَبيُّ الأُمةِ بل ما جرى مِن قَتلِ  لِلحَسَنِ وَالحُسَينِ والأَئمةِ الباقينَ.. بَرعَ  بِتصويرِ تَنحيتِهِم، وَمُحاربتِهم.. بِسلاسةِ وَرِقَّةِ الأَلفاظِ بِجَمالِ صيغِها التَّعبيريةِ التَّشويقيةِ لِمعرفةِ سَجايا آلِ مُحَمَّدِ بِمقاطعٍ وَصفيةٍ تَزيَّنَت بِالبلاغةِ التي أَجادَ بِها فَزادَتها بِإِشراقٍ وَ بَهاءٍ وَسَناءٍ وَ مَتانةٍ، لِيرفعَ مَظلوميتَهُم بِالإِحتجاجِ والرَّفضِ  لجميعِ مُناوئيهم ومُخالفيهم..

يا أَميـرَ المُؤمنيــن

يا وَصِيَّ المُصطَفى دُنيا وَ دِيـــنْ

                     يا مُطيعَ اللهِ والهَادي الأَميــن

مِـن لَطيفٍ نَهجُكَ الوَضاءُ كانْ

                      يا إِمَامِي يا دَليلَ الحَائِريـن

دِينُك الحَقُّ لَيَنبُوعُ الحَياةْ

                  للمُوالينَ العَطاشى دَامَ عَيـن

قد شَرِبناهُ زُلالاً  لايُزالْ

                 مِـن لَدُنكَ يا أَميـرَ المُؤمنيـن

مَـا روى الظمآنَ قَـطُّ غيرُ مَاء

             كَوثَـريٌّ قد أَتاني لي مَعِــيــن .

إيقاعات مؤتلفة:

القصيدةُ التي تخلو مِن الصُّورِ الشِّعريةِ والإِيقاعِ تَجدُ فيها الإِرباكَ، فيما أَجادَ الأَديبُ "علي جوده الرفاعي" بِنُصوصِهِ المُتتاليةِ عن الصَّفوةِ والقُدوةِ فكانت تلك القَصائدُ عن النَّبيِّ العَظيمِ وجَميعِ أئمةِ أهلِ البَيتِ –عليهم السَّلامُ- مِن أَميرِ البَلاغةِ وسَيِّدِ الفَصاحةِ وَرائدِ العَدالةِ الإِنسانيةِ عَبَّرَ بِالوَلاءِ العَلويِّ المُقدسِ كالمَاءِ الزُّلالِ بِعذوبةِ حُبِّـهِ والإِنتماءِ لَـهُ.

 فَالنُّصوصُ والمَدائحُ  بِالدِّيوانِ تَرانيمُ صوفيةٌ بِعشقٍ وَ وَلَـهٍ وَهيامٍ تُعَبِّرُ عن صدقِ الوَلاءِ والإِقتداءِ كما بِجميعِ  القَصائدِ  عن كلِّ رموزِنا مِمَّن نُواليهم شَغَفاً وَتَعلُّقاً وَحُبّاً بِهم تزهو القصائدُ وَتُجملُ الكلماتُ الإقناعيةُ بِرسالتِهِ الشِّعريةِ دون حَشوٍ وَ مَلَلٍ، كلُّ قَصيدةٍ تُعبِّرُ عن المَقـاماتِ السَّاميةِ التي تُعبِّرُ بِصدقٍ مُتَنَاهٍ عن خِصالِهم وَسَجاياهم وَ مَناقبِهم وفضائلِهم، لاريبَ إِنَّ قَصديةَ الأَديبِ بتلك الإِيقاعاتِ المتناغمةِ مع النَّفسِ التَّواقةِ لِمعرفةِ أَسرارِ التُّقى والهُدى وماهية سجاياهم المُباركة لذا حاول الأَديب "علي جوده الرفاعي" نَظمَ نصوصَهُ بِجَمالياتِ الرَّوي السَّردي المُكثَّفِ المُقتضبِ حَسبَ رسالتِه الوَصفيةِ السَّيريةِ لكلِّ عَلامةٍ وَدَلالةٍ ساطعةٍ تَنزاحُ لِوصفِ كلِّ إِمامٍ أهدى له قصيدة مِن سَيد البَلاغةِ إلى الأَملِ المَوعودِ..

الباحث: صباح محسن كاظم- يدرس الدكتوراه بالتَّاريخِ

صدر له 20 كتاباً- كتب 66 مقدمةً- وشَاركَ بـ 75 كتاباً داخل وخارج العراق