الإعجاز الاقتصادي للقرآن الكريم

عنوان الكتاب: الإعجاز الاقتصادي للقرآن الكريم
 
تأليف: د. رفيق يونس| مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
الناشر: دار الزهراء| بيروت
 
يركز المؤلف في مقدمته للكتاب على طريقة تفسير القرآن حسب الاختصاص. وبذلك تتكون لدينا مجموعة من التفاسير المتخصصة، تؤلف تفسيرا كاملا وملائما. وما يشجع المؤلف على الإقدام على ذلك هو ما سبق له من كتابات في حقل الاقتصاد الإسلامي، إذ أنه كتب (ما يزيد على خمسين كتابا، في مجال الاقتصاد الإسلامي والفقه المالي). ثم يؤكد الباحث على أننا بحاجة إلى تفسير في كل عصر، وذلك لما لمعارف وعلوم العصر من أثر على تفسير القرآن الكريم.
   ويبدأ المؤلف فصله الأول بالكلام عن (إعجاز القرآن: من الإعجاز العلمي إلى الإعجاز الاقتصادي)بشكل عام وآراء القدماء فيه مثل الغزالي والشاطبي والرازي
والسيوطي، وكذلك المعاصرين مثل محمد عبده والمراغي وابن عاشور. ثم يقول أن للإعجاز وجوها كثيرة لا يمكن جمعها في كتاب، ولا يمكن أن يحيط بها أحد. ومن ذلك قول المراغي أن المقصود بالإعجاز العلمي لا يعني أن القرآن يشتمل على جميع العلوم، وإنما (أنه أتى بأصول عامة لكل ما يهم الإنسان معرفته لصلاح الدين وإعمار الدنيا). 
    ويقول المؤلف أن ثمة فريقين من العلماء في هذا الصدد: فمنهم من يمنع هكذا تفسير مثل الشاطبي؛ ومنهم من أجازه، ولكن بشروط مثل الغزالي والرازي والسيوطي ومحمد عبده. فينبغي أن نكون أكثر تشددا في الإعجاز  مما نحن في التفسير. لأننا لو نسبنا إعجازا إلى آية اعتمادا على نظرية ما، ثم تغيرت النظرية، فما مصير الإعجاز المزعوم؟ ولو تكررت الحالة، لكان الإعجاز للعلم لا للقرآن. 
   ثم يذكر المؤلف مزايا التفسير العلمي. فمنها تجنب تقييد الحريات الفكرية والعلمية؛ وحث المسلمين على التأمل والبحث؛ وتلافي الفكر الخامد والفهم الجامد؛ ودعم حركة التفسير وعلومه؛ ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام لفهمهم الإعجاز العلمي أكثر من فهمهم للإعجاز اللغوي؛ والرد على من يروج لشبهة التناقض بين الدين والعلم.  
    ثم يذكر المؤلف بعض من أسلم من علماء الغرب وأقوالا لهم في هذا المجال، مثل دكتور غرينييه وليون روشي وغارودي. 
   وفي الفصل الثاني يدعونا المؤلف تحت عنوان(اقرأ هذا الكتاب) إلى قراءة القرآن. ويذكر مواصفات رائعة لهذا الكتاب العزيز.
   بعدها يوزع المؤلف مواضيعه الاقتصادية على الفصول اللاحقة، متخذا من الآيات الكريمة التي تتعامل مع هذه المواضيع. ففي الفصل الثالث يتناول (المشكلة الاقتصادية) في الآية 14 من سورة آل عمران(زُين للناس حب الشهوات...). وبعد أن يسوق الباحث آراء العلماء القدماء كالرازي، والمعاصرين كجلال أحمد أمين والسيد محمد باقر الصدر ومحمد قطب لحل المشكلة الاقتصادية المتمثلة في سوء التوزيع، يذكر أن هنالك مصدرين للندرة: سنة الله في الموارد الحرة والاقتصادية؛ وسلوك الناس. ويقول أن المشكلة الاقتصادية موجودة على كافة المستويات: الفرد والعائلة والمنشأة والأمة، عند الفقير والغني، عند الإنسان الاجتماعي والإنسان المنعزل. ويقول أن زعم مالثوس(1834) بأن الحاجات تزداد بمتوالية هندسية، بينما تزداد الموارد الغذائية بمتوالية عددية، مبالغ فيه، بل هو وهم وخرافة. لكن الندرة النسبية حقيقة لا خرافة. ولو كانت الأخيرة خرافة، لكان علم الاقتصاد نفسه خرافة، لأنه علم الندرة.
  وفي الفصل الرابع يتناول موضوع(الإنسان الاقتصادي الرشيد) في الآية 5 من سورة النساء(ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيا واكسوهم). وفي هذه الآية والآية الثانية والسادسة من السورة نفسها، هنالك إشارة إلى ذلك الإنسان. فقد أمر الله بترشيد سلوك الأبناء ليصلوا إلى مقام الإنسان الاقتصادي  الرشيد، وأمر بتعظيم المنافع والأرباح، والإنفاق من الربح محافظة على رأس المال. كما دعا إلى حسن إدارة المال واستثماره وتنميته. كان كل ذلك قبل ظهور علم الاقتصاد بوقت طويل. 
  وفي الفصل الخامس يتطرق إلى موضوع (تعظيم الربح) في الآيات 152 من سورة الأنعام و34 من سورة الإسراء و6  من سورة النساء. فيقول تعالى في سورة الأنعام(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن). ويقول المفسرون أن المقصود بالتي هي أحسن السعي في تنمية ذلك المال وتثميره. أي حفظ أصوله وتثمير فروعه. بمعنى آخر، لو كان لدينا مشروعان يزيد أحدهما في ربحه على الآخر، لاخترنا الأكثر ربحا منهما. 
   وفي الفصل السادس يتطرق إلى (سياسة تقليل الخسائر) في الآية 71 من سورة الكهف المباركة(...حتى إذا ركبا في السفينة خرقها...). وهي في مضمار سياسة تقليل الخسائر. فلو لم يعب الخضر(ع)، في القصة المعروفة، تلك السفينة لغصبها الملك. فهناك اختيار بين خسارة العيب وخسارة السفينة بالكامل. ولا يمكن اجتناب الاثنين، أي قاعدة أخف الضررين. ويعرف ذلك في علوم الاقتصاد والإدارة والعلوم العسكرية(بسياسة تقليل الخسائر إلى أدنى مستوى ممكن). وهو من باب تحصيل المنفعة بالإفساد القليل. فظاهره إفساد وواقعه إصلاح. فالقصة ذات مغزى كبير في تقليل الخسارة إلى الأدنى minimization وتعظيم الربح maximization. وعندما ندفع الخسارة الكبرى بالخسارة الصغرى يتحقق لنا ربح مقداره الفرق بين الخسارتين.
  وفي الفصل السابع يتساءل المؤلف(هل نضيف نظرية الصبر إلى نظريات التنمية؟) كما في الآية 3من سورة العصر(وتواصوا بالصبر). فالتنمية بحاجة كبيرة إلى الصبر الايجابي، وهو من القيم المسهلة للتنمية التي أغفلها علماء التنمية.
    و في الفصل الثامن يناقش (نظريات الفائدة). فبخصوص الربا وردت آيات في سور الروم والنساء وآل عمران والبقرة. ففي الروم الآية 39 مثلا يقول سبحانه(وما أوتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما أوتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون). وقد شبه بعض الناس الربا بالبيع. لكن العديد من الآيات أكدت على محق الربا. فالربا يتضاعف في الحرام والزكاة تتضاعف في الحلال. والله ينصر دينه بغير المسلمين:  فالعلماء الغربيون الذين حاولوا تحليل الربا في القرون الأخيرة في نظريات مثل نظرية المخاطرة ونظرية التفضيل الزمني  ونظرية تفضيل السيولة وغيرها لم تستطع تبرير هذا النوع من العائد. وبذلك عجزوا (أن يثبتوا عكس ما أثبته القرآن العظيم). وبهذا نحن نقف إزاء إعجاز اقتصادي(لم يتم فيه تطويع الدين للعلم....بل تم فيه إثبات عجز العلم عن مخالفة الدين).
  وفي عجالة، يتناول الكاتب في الفصل التاسع (القرض عقد معاوضة ناقصة) في الآية 279 من سورة البقرة(....فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون). وفي الفصل العاشر يتناول (التفضيل الزمني time preference) في الآية 27 من سورة الإنسان(إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا). وفي الفصل الحادي عشر يتناول دراسات الجدوى) في الآية 60 من سورة التوبة(إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل). وفي الفصل الثاني عشر يتطرق إلى(شرط بقاء الأشياء الأخرى على حالها) في الآية 4 من سورة الرعد(وفي الأرض قطع متجاورات...يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل....). وفي الفصل الثالث عشر يتناول (الريع التفاضلي) في الآية 58 من سورة الأعراف(والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه...). وفي الفصل الرابع عشر يتناول نظرية المزايا النسبية) في الآية 10 من سورة فصلت(وقدر فيها أقواتها). وفي الفصل الخامس عشر يتطرق إلى (مبدأ توزيع المخاطر) في الآيتين 67 و68 من سورة يوسف(وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد....). وفي الفصل السادس عشر يركز على (إعادة توزيع الدخل والثروة) في الآية 7 من سورة الحشر(ما أفاء الله على رسوله...كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم). وفي الفصل السابع عشر يناقش الآية 41 من سورة الروم(ظهر الفساد في البر والبحر...). وأخيرا وليس آخرا، يخصص الفصل الأخير لعلم المحاسبة: هل له أصول أو إشارات في القرآن؟ ويتناول ذلك في عدة آيات مباركة.
وختاما، فالكتاب قليل الصفحات لكنه يقدم لقارئه نفعا عظيما لو اطلع عليه عن كثب. 
 
قراءة: أ د حميد حسون بجية