الغدير.. موضعٌ وبَيعة وآخِرِ الفرائِض

في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة النبوية، نَصَّبَ نبينا الأعظم محمد (صلى الله عليه واله) بأمر من الله عزَّ و جلَّ، علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفةً ووصياً وإماماً وولياً من بعده.

لماذا الغدير؟

سُمّي بهذا الاسم لاجتماع النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) في هذا اليوم مع عدة آلاف من صحابته، لدى عودته من حجّة الوداع، في موضع بين مكة والمدينة المنورة يُسمى غدير خم، فسُمّي ذلك اليوم بإسم الموضع الذي حدثت فيه الخطبة والوصية.

ماذا جرى في موضع الغدير

يقول العلّامة الاميني في كتابه (الغدير): ...فلما انصرف (رسول الله) صلى الله عليه وآله من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمعَ الجميع، رافعاً عقيرته قال: الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه... ثم أخذ بيد عليٍ فرفعها حتى رؤيَ بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، يقولها ثلاث مرات. وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات.

ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبَّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي. العلّامة عبدالحسين الاميني في كتابه الغدير.

ثم طفقَ القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه وممن هنأه في مقدم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر كل يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم، فقال حسان: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتا تسمعهن، فقال: قل على بركة الله، فقام حسان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية ثم قال:

«يناديهم يوم الغدير نبيهم * * بخمّ فاسمع بالرسول مناديا»

أصحّ الاحاديث سنداً في الغدير عند اهل السنّة

عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً فينا خطيباً، بماء يدعى خُمًّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به». فحَثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم اللهَ في أهل بيتي، أذكركم اللهَ في أهل بيتي، أذكركم اللهَ في أهل بيتي».

وعنه أيضاً قال: لما رجع رسول الله (صلى الله عليه واله) من حجة الوداع ونزل غدير خُمٍّ، أمر بدوحات فقُمِمْن، فقال: «كأني قد دُعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى، وعِتْرتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض». ثم قال: «إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن». ثم أخذ بيد عليٍّ رضي الله عنه فقال: «من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه».

وروى الترمذي عن زيد بن أرقم: عن النبي قال: «من كنت مولاه فعَليٌّ مولاه».

وعن بريدة انه قال: «غزوت مع عليٍّ اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله ذكرت عليًّا فتنقَّصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغيَّر، فقال: «يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: «من كنت مولاه فعَليٌّ مولاه».               

فضائل عيد الغدير

إكمال الدين وإتمام النعمة: لقد أنزل الله تعالى في يوم الغدير: (اليَوْمَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتـي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً).

وقال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) عن هذا اليوم: (وهو اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدينَ وأتمَّ علَى أمّتِي فيه النعمةَ ورَضِي لهُم الإسلامَ ديناً...).

عيد الله الأكبر: طبقاً للروايات الإسلامية فإن عيد الغدير هو أفضل الأعياد الإسلامية وأعظمها حرمة، بل هو عيد الله الأكبر. روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (يومُ غديرِ خمّ أفضلُ أعيادِ أمّتِي وهو اليومُ الذي أمرني اللهُ ـ تعالى ذكره ـ فيه بنَصْب أخي عليٍّ بن أبي طالبٍ علَماً لأُمّتِي يَهتدون به مِنْ بَعْدي وهو اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدِّينَ وأتمّ علَى أمّتِي فيهِ النِّعمَة ورَضِيَ لهُم الإسلام ديناً...).

وفي الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ويومُ غديرِ خمٍّ أفضلُ الأعياد).

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (صِيامُ يومِ غدِيرِ خُمٍّ يعدِلُ صِيامَ عُمرِ الدنيا، لو عاش إنسانٌ ثمّ صام ما عمرتِ الدنيا لكان له ثواب ذلِك وصِيامه يعدِل عِند اللهِ عزّ وجلّ فِي كلّ عامٍ مِائة حجَّةٍ ومِائة عُمْرَةٍ مبروراتٍ مُتقبَّلاتٍ، وهو عِيدُ اللهِ الأكبرُ وما بعث الله عزَّوجلَّ نبِيّاً قطُّ إِلاّ وتعيَّد فِي هذا اليومِ وعرف حرمته. واسمه فِي السماءِ يوم العهدِ المعهودِ، وفِي الأرضِ يوم المِيثاقِ المأخوذِ والجمعِ المشهودِ).

الغدير والعيش الرغد: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَلَو أنّ الأمَّة منذ قَبَضَ اللهُ نَبِيَّه اتّبعُوني وأطاعُوني لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِم ومِن تحتِ أرجُلِهِم رَغَداً إلى يَومِ القِيامة). فلفظة «الرغد» تشير إلى الكيف.. ولفظة «إلى يوم القيامة» تشير إلى كمّ السعادة التي كانت الأمّة ستنعم به فيما لو تحقّق الغدير.

آخر الفرائض: روي عن الإمام أبي جعفر محمّد الباقر (عليه السلام) أنّه قال: آخِرُ فريضةٍ أنزلها اللهُ الولايةَ (اليَومَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتـي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً) فلم يَنزِلْ من الفرائضِ شيءٌ بعدها حتَّى قَبَضَ اللهُ رسولَهُ (صلى الله عليه وآله).

وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً قوله: (وكانت الفرائضُ يَنزلُ منها شيءٌ بعد شيء، تَنزلُ الفريضةُ ثم تنزلُ الفريضةُ الأخرى وكانتِ الولايةُ آخِرَ الفرائضِ فأنزلَ اللهُ عزّ وجلّ: (اليَوْمَ أكْمَلْتُ...) يقولُ اللهُ عزّ وجلّ: لا أُنزِلُ عليكُمْ بعدَ هذهِ الفريضةِ فريضةً، قد أكملتُ لكُمْ هذهِ الفرائض).

مركز الاعلام الدولي