التراث والآثار.. هوية تواجه الطَمس

تحقيق: سلام الطائيعماد بعو

تحرير: صباح الطالقاني

يعد التراث والآثار هوية الشعوب الثقافية والوطنية ومصدرا للمعلومات التاريخية وهي الدليل المادي على جذور الشعب وأحقيته وخصوصيته، كما انها تعطينا الفكرة الواقعية عن التاريخ القديم ومعالمه وتعرفنا بطبيعة الأجيال وهي مهمة لربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

وبالرغم من اهمية الآثار والتراث إلا ان القانون الدولي لحماية الآثار لم يتم العمل به جدّياً وهو ضعيف الى حد كبير في تجريم الانتهاكات التي حصلت بحق الآثار والتراث في مناطق عديدة من العالم ولا سيما في ظل ظروف عدم الاستقرار في العراق وسوريا واليمن، فقد تعرضت الآثار في هذه المناطق الى عدّة انتهاكات حتى بعد اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية عام 1954، وبالأخص الممتلكات الثقافية العراقية التي تجاوزت 12 ألف موقع أثري..

آثار العراق عرضة للنهب

ان قانون الآثار والتراث الجديد الذي أصدرته الهيأة العامة للآثار والتراث العراقية المرقم (55) لسنة 2002 عرّف التراث على انه الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يقل عمرها عن (200) سنة ولها قيمة تاريخية او وطنية او دينية او فنية..

وبحسب موقع التراث العالمي (اليونسكو) فالمقصود بمواقع التراث العالمي هي معالم ترشّحها لجنة التراث العالمي في المنظمة لتُدرَج ضمن برنامج مواقع التراث العالمي الذي تديره اليونسكو.

وهذه المعالم قد تكون طبيعية، كالغابات وسلاسل الجبال، او ثقافية أو من صنع الإنسان كالبنايات والمدن، ويعتمد الاختيار على عشرة شروط، ستة منها ثقافية وأربعة طبيعية، وفي بعض الأحيان يطابق الموقع المختار ضمن اللائحة المعايير الثقافية والطبيعية معاً.

وبحسب معاهدة مواقع التراث العالمي يحق لأي بلد عضو في اليونسكو ترشيح المواقع الطبيعية والثقافية لتوضع على لائحة التراث العالمي، حيث تُصوِّت لجنة التراث العالمي على اختيار الموقع، شرط أن يكون مستوفيا لواحد من الشروط العشرة على الأقل.

أنضم العراق إلى معاهدة مواقع التراث العالمي في عام 1974، مما جعله مؤهل لأدراج مواقعه التاريخية على القائمة، اعتباراً من عام 2016، العراق لديه خمس مواقع مصنفة كتراث عالمي.

وتعد (مملكة الحضر) أول موقع أُدرج على لائحة التراث العالمي، في الدورة التاسعة للجنة التراث العالمي التي عُقدت في باريس عام 1985، وأدرج موقع آشور (القلعة الشرقية) في عام 2003 كموقع ثاني، تلتها مدينة سامراء الأثرية في عام 2007، وأضيفت قلعة أربيل وأهوار جنوب العراق إلى القائمة في عام 2014 و2016، والأخير هو مُختلط (طبيعي وثقافي).

وعن آلية حماية الممتلكات الثقافية تحدثَ بعض أصحاب الاختصاص في التراث والآثار، حيث أفاد مسؤول متابعة الآثار المسروقة في ألمانيا الدكتور مايكل مولر كاري قائلاً" يجب على كل البلدان في العالم أن تقف مع العراق لحماية آثاره وأن يكون هناك تأثير مباشر من قبل العراقيين أنفسهم والحكومة ومسؤولي المتاحف، من اجل الضغط على المنظمات الدولية ورؤساء الدول في العالم لإعادة الكثير من المسروقات والمقتنيات الأثرية التي تمت سرقتها من قبل تنظيم داعش وبيعها في خارج البلاد.

وأضاف كاري" ان إقدام الارهابيين على تهديم وسرقة الآثار يعود لسببين الاول  لطمس الحضارة والتراث الاسلامي والعربي، والسبب الثاني هو لغرض الدعم المالي لهم خصوصا ان هذه الآثار ثمينة جدا ويمكن من خلالها الحصول على المبالغ الكبيرة، وهناك مافيات تعمل على بيع الآثار وتساعد هؤلاء على تهريب القطع الأثرية.

وبيّن كاري" تمكّنا من ارجاع العديد من المقتنيات التي تعود الى العراق وكان بعضها يعود الى حضارة أور من خلال اتصالنا بوزارة الخارجية، وسنعمل جاهدين على استعادة أي آثار تعود الى العراق".

مستشارة وزير الثقافة البريطاني الينور روبسون أكدت" ان الموروث الحضاري العراقي مهم جداً،  لذا علينا أن نعمل لإعادة بناء العراق وجعله أفضل والاهتمام بتراثه وحضارته، ذلك من خلال العمل سوية وبناء الشراكات القوية من خلال مشروع مشترك بين بريطانيا والعراق، والمهم في هذه المشاريع انها تبقى بعيدة المدى. مشيرةً الى" ضرورة استثمار العراقيين لآثارهم وتاريخهم لبناء المستقبل وإعادة العراق الى الواجهة القديمة، وهم نجحوا في جزء وهو الانتصار على الارهابيين والطائفية".

تيبو لافال، الباحث في جامعة السوربون الفرنسية والمهتم بالشأن الإسلامي أدلى قائلاً" ان تخريب الآثار العراقية لم يبدأ مع اجتياح داعش للعراق في عام 2014 وإنما كانت بوادر هذا التخريب في عام 2006 عندما حصل تفجير مرقد سامراء، وكان الهدف هو تدمير مبرمج وممنهج للإرث الثقافي العراقي".

وأضاف لافال" أصبح الحفاظ على الإرث الثقافي والحضاري في العالم والعراق خصوصاً، رهاناً شاملاً للجميع لذا يجب الدفاع عنه والحفاظ عليه من أي اعتداء لان ذلك يحافظ على السلم الأهلي والمجتمعي في البلاد، ومن الخطأ الفادح ان نربط بين التخريب الحاصل في الإرث الثقافي العراقي وبين القضية الطائفية لان الآثار التي كانت مستهدفة هي تعود لكافة المذاهب والطوائف المختلفة ولو عدنا بالذاكرة إلى المنارة الحدباء في الموصل لوجدنا أنها تابعة الى جامع سنّي وتم استهدافها من قبل متطرفين ادعوا أنهم سنّة..

وأشار" إن التراث الثقافي الإسلامي في العراق غني جداً وتعتبر كربلاء والنجف المركز الأساسي للفكر والتراث الاسلامي في البلاد.

الدكتور عمر عامر، عميد كلية الحقوق في الاردن أكد" ان آثار وتراث الوطن العربي تتعرض للنهب والسرقة  بصورة مستمرة عبر التاريخ، بسبب النزاعات الدولية والداخلية والعمليات الارهابية التي تقوم بها عصابات مختصة، وما يتم سرقته من الآثار بنسبة 95% لا يتم استعادته، لذا من الضروري جداً ابرام اتفاقية دولية تلتزم من خلالها الدول بالتعاون فيما بينها من اجل حماية هذه الآثار والحفاظ عليها واستعادتها عند سرقتها، وتفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الانتهاكات التي تتعرض لها الآثار.

وأضاف" هناك عصابات متخصصة لاستهداف هذه الآثار والمتاجرة بها، على سبيل المثال ما قامت به داعش في العراق وبالخصوص محافظة الموصل التي تعرضت آثارها للنهب والسرقة والتهريب الى خارج البلاد بمساعدة بعض الجهات التي تعمل على الترويج والشراء لها.

مؤتمر الآثار والتراث الدولي الأول

وتقام عدة مؤتمرات وندوات في العراق للحفاظ على التراث والآثار، من بينها مؤتمر الآثار والتراث الدولي الأول الذي أقيم في مدينة كربلاء برعاية العتبة الحسينية وبمشاركة 22 دولة عربية وأجنبية.

وقال رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الدكتور طلال الكمالي" أقيم هذا المؤتمر من اجل الوقوف أمام التخريب والتهديم الذي حل على آثار العراق بشكل عام ومدينة الموصل بشكل خاص، وما تم ممارسته من قبل تنظيم داعش التكفيري على آثار الموصل هو جريمة لم تشهدها أي آثار في العالم من خلال التحطيم وتفجير الكنائس وتهديمها وتحويلها إلى أماكن لنشر البغي والتطرف وتشويه الأفكار والمعتقدات، وهذا المؤتمر هو لإرسال رسالة للدول المشاركة ان تنظيم داعش لا يمت للإسلام بصلة، بل هو تنظيم متطرف ضد الثقافة والإنسانية والرحمة".

وخرج المشاركون في هذا المؤتمر بعدة توصيات منها :

أولاً: مخاطبة الجهات المعنية بمختلف الفعاليات العالمية والثقافية والتربوية للتواصل والحوار بين مختلف أطياف المجتمع الإنساني والديني من اجل الوصول إلى رؤية إنسانية مشتركة حول ضرورة حفظ التراث والمباني الاثارية والتاريخية ودعوة الجهات المختصة للتنديد بما هدم منها وترميمها واسترداد ما سرق.

ثانياً: مخاطبة الجهات المعنية بالتربية والتعليم والثقافة للعمل على  التوعية المجتمعية والمؤسسية حول أهمية التراث والآثار ودورها العلمي والثقافي والحضاري في تنمية المجتمع وكونها حقا لجميع الأجيال الواعدة، ووثيقة حية تشهد على تاريخ وتطور الأمم والشعوب .

ثالثاً: التنسيق مع كافة المؤسسات ذات العلاقة بالآثار من اجل استرجاع الآثار المهربة، فضلاً عن إعادة تأهيل المواقع التي هُدمت من داعش الإرهابي.

رابعاً: مخاطبة الجهات المعنية بضرورة العمل على حفظ الآثار الإنسانية والدينية المهمة كمقبرة البقيع التي لها مكانة في نفوس جميع المسلمين وتهم العالم الإسلامي اجمع لما تحويه من رموز إنسانية وإسلامية من خلال إدانة هدم تلك المقبرة, إدراجها في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO) لحفظها والمطالبة بإعادة بنائها لكونها المنظمة المختصة بحماية الآثار..

خامساً: إقامة دعاوى قضائية على الدول وتجريم الجماعات والأفراد التي تقوم بهدم الآثار والاعتداء عليها إذ تعد تلك الآثار إرثاً للإنسانية يحرم التجاوز عليها ومحاسبتهم أمام المحاكم الوطنية والدولية .

سادساً: الدعوة إلى إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحماية الآثار والتراث الثقافي وتضمينها قواعد أكثر وضوحاً وفاعلية في مجال الحماية وخاصة أثناء النزاعات المسلحة وتعديل نصوص الاتفاقيات الدولية الخاصة بالاسترداد وخاصة مسالة اشتراط قيام الدولة المطالبة بالاسترداد.

سابعاً: دعوة العراق الى تفعيل قرارات مجلس الأمن الخاصة بمنع الاتجار بالممتلكات الثقافية العراقية والعمل على إعادتها .

ثامناً: دعوة الجهات المختصة من اجل تأسيس مراكز ومؤسسات تعنى بالحفظ الالكتروني للآثار المحطمة والمدمرة، وأرشفتها بشكل صحيح لتبقى شاهدة على التاريخ.