هدم الثقافة

يرى المهتمون بالجانب الثقافي للأمة الاسلامية بأنها تعرضت عبر تاريخها الطويل وخصوصا بعد وفاة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الى محاولات كثيرة ومتنوعة من الهدم والتخريب، ومن الداخل والخارج، ولم يترك الاعداء فرصة او ثغرة مهما كانت صغيرة الا وتم استغلالها في سبيل ذلك.

ويرون ان ذروة تلك الجهود التدميرية قد شهدته الفترة المعاصرة فضلا عن كونها قد اتسمت بالشمولية والمنهجية العلمية، وهي تزداد ضراوة واتساعا وتنوعا، خاصة مع اضمحلال أو غياب العنصر المقاوم، اضافة الى تمكن الاعداء من جعل الهدم ينطلق من داخل الامة وبآلاتها وتمويلها.

 ويمكن للمتابع بعد إعمال عناصر البحث والاستدلال من تحديد أهم المكونات الثقافية التي وجهت لها تلك الحروب ، حيث احتل القرآن الكريم صدارة واجهة الحرب التدميرية للثقافة الاسلامية فجندت للنيل منه الرجال والأموال، فكانت الحرب تارة تتمثل بالطعن فيه من حيث هو تنزيل رباني وتارة في البحث عن المتناقضات فيه وأخرى المرفوضات فيه تبعا للمفاهيم المجتمعية أو من حيث عدم المناسبة المكانية والزمانية وغيرها من المحاولات التي لم تتمكن من تحقيق اهداف مهمة مثلما حققته عمليات التأويل خاصة بعد إبعاد الامة عن المصادر الرئيسية للتشريع المتمثلة بمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفسح المجال أمام القاصي والداني بأن يدلوا بدلوه فتعددت الثغرات وكثرت الفجوات، ما أدى الى ان يقال بأن القرآن هو الذي يأمر بالتعدي على الحقوق الانسانية قتلا وسبيا وسرقة وتدميرا وغير ذلك من انواع الموبقات التي حرمها الله تعالى، وما انزل بها من سلطان.

وأما العنصر الثاني الذي لا تنفك أهميته ومكانته ودوره أنملة عن القرآن الكريم وصار هدفا مهما وجهت له تلك الحرب فهو السنة النبوية المطهرة والتي وجدت لها أرضا أكثر خصوبة من القرآن الكريم من حيث إمكانية الدس والحذف وتعدد التأويل، فراحت الاقلام المأجورة تسن معاولها لتحقق أكبر هدم ممكن في هذا الجانب الثقافي المهم في حياة الامة وما يشاهده العالم اليوم من دمار باسم الدين ما هو إلا نتاج لذلك التشويه الذي تعرضت له شخصية النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) والتزوير الكبير الذي تعرضت له أحاديثه المباركة، حتى تم ايصال الأمة الى حالة من البعد عن الاحاديث التي من شأنها بناءها على أسس من مكارم الاخلاق، وتم قصر اهتماماتها على احاديث أخرى في غالبيتها لم تصدر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) اصلا ،لإحداث توجه للأمة نحو كل ما من شأنه قيادتها الى أعالي الانحطاط بين الأمم، وها هي الامة اليوم لا يشغلها شاغل إلا القتل والتدمير الذاتي.

اضافة الى العنصرين الآنفين لم تبتعد أعين الاعداء التدميرية عن عناصر أخرى مهمة ولها شأن كبير وفعال في حياة الامم وبقائها وديمومتها والحفاظ على كيانها وتحصينها وحمايتها من الاعداء وبغيابها سيصبح بالإمكان السيطرة على الامة والتلاعب بها حسب الرغبة والمصلحة، وعلى رأس وأهم تلك العناصر هي الحضارة بكل مكوناتها المادية والمعنوية.

ويدرك الاعداء بشكل مؤكد إن هذا العنصر من شأن ازالته تحقيق فجوة او فصل كبير بين مكونات الامة الزمنية، يستتبعه أثر مؤكد وفاعل وكبير من حيث التأثير الثقافي، فمن خلال فصل الاجيال اللاحقة عن تأريخها وحضارتها وعن ثقافة وعلوم الاجيال السابقة ستصبح لقمة سائغة لأية ثقافة تقدم لها، وسيسهل التلاعب بها وتسييرها بالوجهة المطلوبة دون عناء كبير.

وهكذا وجهت الجهات المعادية للأمة ماكينتها الثقافية والإعلامية وصولا الى جعل الامة الاسلامية تقوم بنفسها وبيدها الى تدمير تاريخها وحضارتها وبحجج شتى تم ارساؤها في الاذهان عبر عصور من الحرف الفكري والثقافي.

وإذا أرادت الامة الاسلامية العودة وإعادة تأثيرها الفكري والثقافي في العالم ينبغي لها اولا أن تنقي تراثها الثقافي والديني من كل ما هو منحرف عن جادة الصواب الإسلامي وكل ما ترفضه الفطرة الانسانية ، وقد لا يكون ذلك ممكنا إلا بالعودة الى القواعد والقوانين الاسلامية الرصينة التي انزلها الله تعالى على نبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي مقدمتها القواعد والقوانين الانسانية المثلى التي دعت وأكدت على أهمية الانسان وضرورة عدم انتهاك حقوقه وغيرها من الجوانب والأخلاق الانسانية السامية التي بثها في الأمة النبي وأهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام) وصحبه الاخيار رضوان الله تعالى عنهم.

افتتاحية مجلة الروضة الحسينية/ العدد 97