التراث ذاكرة الأجيال وبوصلة المستقبل

تحقيق أمير الموسوي ـ تحرير: فضل الشريفي

مختص: التراث قيمة تنافسية بين المجتمعات فعلينا المحافظة عليه مما قد يلحق به

لم يكن البناء الحضاري للأمم وليد حاضرها فقط بل هو حلقة مكملة لما قام به الأسلاف من الأمم الماضية والعودة الى التراث أمر حتمي لأن له ارتباط بمستقبل البشرية ووجودها، وهو ما يزال محل البحث والتنقيب والمراجعة، وهذه الأهمية تتطلب ايلاء التراث الاهتمام الكافي خصوصاً لبلد مثل العراق الذي يمتلك تراثاً تعود جذوره الى آلاف السنين.

هذه الموضوعة تناولها مركز الإعلام الدولي مع معنيين وباحثين ومختصين في التراث من خلال هذا التحقيق.

لماذا تهتم الشعوب بتراثها؟

بصدد هذا التساؤل يقول المدير المسؤول عن المجاميع المتحفية في متحف موسكو للتاريخ الطبيعي الباحث فاديف إيغور فياتشيسلا فوفيتش ان"التراث يشكل لنا قوة عظيمة  حاضرة في تاريخ الإنسانية فهو ذاكرة الشعوب التي يتم الاحتفاظ بها من خلال ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها، ونحن مطالبون للاحتفاظ به لأنه يشكل هوية للمجتمع بصورة عامة اضافة الى ذلك نحتاج التراث لكونه حلقة تذكيرية بتاريخنا وارثنا العظيم ويذكرنا ايضا بأهمية هذه المقتنيات التي نراها ونشاهدها والتي تكون عائديتها الى الحضارة القديمة".

واسترسل الباحث بقوله أن " التراث يعد الوسيلة التي يتم من خلالها تخطي الصعاب والمشاكل ويجعلنا أناسا أقوياء لنا ارث غني وتجارب عظيمة اضافة الى وجود شخصيات كبيرة في التاريخ وكل هذا يشكل الموروث الثقافي والموروث الشعبي لأي مجتمع علاوة على ان التجارب التي نكتسبها من الاجداد او يكتسبها منا الأحفاد تشكل موروثا غنيا جدا للاستناد عليه في حل المشاكل وتطوير الذات وتساعد في تنشئة وتطوير المجتمعات ولا يمكن ان يتطور أي مجتمع إلا حين يستند على موروثه الثقافي والحضاري وان الانسان الذي يكون خاليا من الجذور والارث الذي يستند عليه لا يمكن ان يتطور".

المجتمع الذي ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل

وفي سياق الحديث عن أهمية التراث وقيمته للمجتمعات تذهب الدكتورة مي السيد محمد، كبير باحثي وزارة السياحة والآثار في جمهورية مصر العربية الى ان "التراث له أهمية قصوى في كل مجتمع،والمجتمع الذي ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل (على حد وصفها) مضيفة "اننا نتمكن من العيش بالحفاظ على تراثنا ومن ليس له تراث يحاول ان يبحث عن تراثه ولو زرنا اي دولة اوربية في العالم سوف تجد انها لا تمتلك تراثا و تراثها قائم على المثلث الحضاري في العراق وسوريا ومصر واننا في الدول العربية نمتلك تراثا  مميزا في عاداتنا وتقاليدنا وملابسنا واكلنا وما الى ذلك من مفاصل الحياة".

ودعت الدكتورة مي الى ضرورة الحفاظ على التراث بالقول "كدول عربية في حال استثمارنا هذا التراث استثمارا جيدا واحتفظنا به وعملنا على تجميعه لان جزءا منه تعرض الى الفقدان مثل الفلكلور والتراث الشفهي كالأمثال الشعبية التي تتناقل شفهيا بين الناس واذا لم نحافظ على الاثار التي نمتلكها وندعمها سنفقدها بمرور الوقت لان هنالك متغيرات على مستوى العالم وعلى مستوى المناخ والبيئة فالتراث ميزة وقيمة تنافسية بين المجتمعات لذا علينا المحافظة عليه".

وعن مكامن  الاستفادة من التراث وعلاقته بالحاضر والمستقبل ذكرت الدكتورة مي  ان"الاستفادة من هذه العلاقة تكمن في إعداد جيل يعلم قيمة بلده وممتلكاته وتأريخه وفكره وماضيه وسيكون متمسكا بتأريخه وعاداته ودينه وقوميته وبدون التراث لا يوجد تمسك وثبات والاستفادة من علاقة الربط بين الحاضر والمستقبل مرهونة بتصرفاتنا في حال اننا وثقنا تراثنا وعملنا للحفاظ عليه وما معناه ان القيم الموجودة في تراثنا سوف تمتد لأجيال عديدة وسنكون في حال امتدادها في ثبات وامان فالتراث يمثل الدرع الحصين للمجتمع ".

مختص ألماني : حضارة العراق قد تعود الى اكثر من 7000 عام

الاستاذ الدكتور مارجريتا فان اس مديرة قسم الشرق في معهد الآثار الالماني تحدثت عن تراث العراق وعمق حضارته قائلة"ان حضارة العراق عريقة ويمكن ان تعود الى اكثر  من 7000عام  فمن المهم جدا معرفة تأريخه وحضاراته حتى يمكن الاستفادة منها لإنتاج مستقبل زاهر للعراق ".

وتابعت بقولها " ان من البراهين على عمق الحضارة العراقية ان الكتابة اخترعت في الوركاء قبل 3500 سنة قبل الميلاد وقد مرت بالعديد من مراحل التطور وهي اليوم تستخدم في ترجمة افضل العلوم الحياتية ".

مختص يناشد وزارة الثقافة.. الاهتمام بالمتاحف والكوادر البشرية العاملة في التراث العراقي

وحول النهوض بواقع التراث وجه رئيس نقابة الآثاريين في كردستان الدكتور عبد الله خورشيد رسالة الى المعنيين بالتراث بالقول"لاحظنا في السنوات الاخيرة ان الجانب الآثاري والجانب المتحفي مهمش حتى ان اقسام الآثار في الآونة الاخيرة  قلَّ عليها الاقبال من قبل الطلبة في العديد من الجامعات كجامعة كردستان وصلاح الدين والانبار وسامراء لان عدم الاهتمام بالآثاريين وتعيينهم على ملاكات وزارة الثقافة جعل الطلبة تتجه نحو اتجاهات اخرى للحصول على تعيين.

وأشار أن " على  وزارة الثقافة القيام بخطوات ايجابية من اجل رفع مستوى الجانب الآثاري من خلال الاهتمام بالآثاريين وتعيينهم وبناء المتاحف في كل محافظة من المحافظات العراقية".

وأضاف ان"العراق يمتلك ما لا تمتلكه اي دولة بالعالم من حيث المواقع الاثرية حيث يوجد اكثر من 15000 ألف موقع اثري بالعراق وربما توجد هنالك العشرات من المتاحف لا تستوعب القطع الأثرية الموجودة فلا بد من الاهتمام بواقع التراث وتلبية طموح الآثاريين بما يليق بتراث وحضارة البلد كما في اي دولة من دول العالم حيث يتم بناء متاحف وتضع بها الآثار لاستقطاب السواح مما يعود بمردود اقتصادي للبلد".

وتابع رئيس نقابة الآثاريين في كردستان حديثه عن متطلبات الواقع التراثي فقال " يتطلب اقامة دورات تدريبية للآثاريين سواء كانوا من داخل العراق او خارجهِ، ويوجد لدينا معهد في اربيل استقطبنا من خلاله المئات من الآثاريين ونمتلك كوادر مختصة تنافس الكوادر الاجنبية ولكن ينقصنا الدعم المعنوي والدعم المادي".

وحذر  الدكتور خورشيد من تداعيات اهمال الواقع التراثي بقوله "ان الجهات المعنية إذا لم تنتبه الى ما يصيب الآثار والتراث من اهمال فلن يكون هناك تراث في المستقبل لان الدور التراثية في كل محافظة من محافظات العراق مهمشة ويوما تلو الآخر تتساقط هذه الدور ويتم استغلالها في مجال بعيد عن الآثار كمرائب للسيارات وغيرها فيجب الحد من هذه الظاهرة واعادتها الى ماهي عليه سابقا دورا مختصة بالتراث".

التداعيات والمعالجات

رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث الدكتور ليث مجيد حسين تحدث عن التحديات التي يواجهها التراث العراقي ومعالجاتها قائلاً  أن " العراق شهد في العقود الماضية حروبا وتداعيات أمنية واقتصادية وعدم استقرار أدت الى ان يتم التطاول على التراث والمتاحف و المواقع الأثرية، ومهمة الحفاظ على كل المواقع الاثرية في تلك الحقبة صعبة جدا ومستحيلة في بعض الحالات بسبب عدم توفر الأمن والأمان فالعراق يمتلك اكثر من ١٥ألف موقعا اثريا لذلك فان عملية الحفاظ عليها وحراستها مهمة مستحيلة جدا في ظل عدم توفر حمايات كافية اما الآن فقد قطعنا شوطاً كبيراً جداً في عملية الحفاظ على الموروث الحضاري للمواقع الاثرية او البيوت التراثية، والقوى الأمنية لها دور كبير في الحفاظ على هذه المواقع والقاء القبض على عصابات التهريب وعصابات المتاجرة بالآثار و هناك العديد من الاجراءات الاحترازية للحفاظ على المواقع الاثرية".

وأفاد حسين ان " العديد من البعثات الأجنبية تروم القدوم والعمل في العراق، مضيفاً ان "لدينا أكثر من 25 بعثة تعمل في العراق والآلاف من الزوار الاجانب يزورون المواقع الاثرية و المتحف العراقي وهذه اشارة مهمة جداً وحالة صحية على ان العراق يستعيد عافيته في مجال السياحة والسياحة الآثارية ولدينا عنصر مهم هو السياحة الدينية من خلال زيارة العتبات المقدسة و حضور الملايين كل سنة للزيارة وهذه إشارة مهمة جدا الى  أن العراق الآن أصبح بلدا آمنا وهو الآن مؤهل أن ينطلق انطلاقة حقيقية في مجال الآثار والسياحة الآثارية".

وختم رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث حديثه أن"لدينا فكرة إنشاء متحف العراق الكبير وخططنا بان يكون في كل محافظة متحف لإعادة تأهيل العديد من المواقع الأثرية والمواقع السياحية لتكون وجهة حقيقية للسياحة والسياح في العديد من مناطق العراق".