أهمية تسلّح المجتمع بالثقافة القانونية

الباحثة: غانيا درغام

تهذّب التربية النفس، والقانون يهذب السلوك، بالتالي إن أي مجتمع يحتاج إلى النظام الأساسي كي يعمل بسلاسة، وذلك يستدعي وضع بعض القواعد للحفاظ على العدالة والمساواة في المجتمع، كي تلجأ الأجناس البشرية للحوار، والتصرف بطرق سلمية واتباع طريقة متحضرة للعيش بوئام مع بعضها البعض، بدل اللجوء إلى المشاكل التي تنجم بسبب اختلاف الاراء والاعراف والتقاليد والطوائف والمعتقدات، والتي تنتج أيضاً من الجهل والنفوس المتسلطة التي تطمح إلى امتلاك كل ما يصب في مصلحتها دون اكتراث لحقوق الناس وأمانهم وسمعتهم بين الآخرين، ليصبح إذاً إن وجود القانون يعلم الأفراد كيفية التعامل مع بعضهم البعض بغض النظر عن مواقعهم الاجتماعية سواء بين المواطنين او بين المؤسسات المختلفة او حتى على مستوى العائلة ونواتها اي الزوج والزوجة، كما يستوعب كافة الاختلافات "العرقِية والثقافية ويصهرها في بوتقة واحدة على نحو متجانس".

وتبرز أهمية وجود القانون وإنفاذه في مجالات عدة منها: 

- حماية المواطنين وتعزيز الصالح العام: تعتبر الوظيفة الرئيسية للقانون الدفاع عن أفراد المجتمع ضد قوى الشر، أو أي شخص يحاول الاعتداء عليهم وإلحاق الأذى بهم، كما توسع دور القانون ولم يعد مقتصرا على مكافحة السلوكيات المنحرفة والخارجة عنه ليشمل حماية ممتلكات المواطنين والدولة والحفاظ عليها، فإن لم يتحقق ذلك فإن كل فرد في المجتمع سيسعى لتحقيق مصلحته الذاتية حتى على حساب الآخرين ودون أي اهتمام بأمنهم وسلامتهم. 

 - القانون يؤدي إلى تقدم المجتمع: تحدث التغييرات في المجتمعات بشكل بطيء للغاية وعلى نحو طبيعي، فالقفزات الثقافية السريعة نادرة الحدوث بحسب ما يخبرنا التاريخ، ومع ذلك فإن الأدوار الاجتماعية الأساسية والمعتقدات الأخلاقية وقواعد السلوك لا يمكن تمريرها من جيل إلى آخر بسهولة، وبحكم الغريزة البشرية فإن الأجيال تبعت بعضها البعض بالإيمان بتلك المعتقدات، بالتالي يبرز دور القانون بالتدخل بالعادات الاجتماعية لتوجيه السلوك البشري تبعا لأنظمة اجتماعية جيدة، كما أنه يقع على عاتقه إيجاد الحلول الأفضل للمشاكل التي يعاني منها الأفراد في المجتمع.

- القانون قاعدة سلوك للمواطنين: يوفر القانون الإرشادات المناسبة لسلوك المواطنين كافة، وذلك حفاظًا على العدالة، فدون القانون ستعم الفوضى وسيحكم قانون الغاب "البقاء للأقوى"، كما سيعمل الفرد من أجل نفسه وحسب، وستنشأ العديد من الصراعات الاجتماعية لا في المجتمع الواحد وحسب، بل وفي المجتمعات المختلفة، ومن الضروري أن يكون القانون مرناً ليتكيف مع التغير الاجتماعي وتغير طبيعة العلاقات الاجتماعية، إذ يستخدم مصطلح التغير الاجتماعي هنا للإشارة إلى الاختلافات المسموحة والمرغوبة في المؤسسات الاجتماعية بما يتضمن أي تعديلات في هيكل ووظائف المجتمع، وذلك يقودنا للتفرقة بين القضايا التي تستدعي تدخلًا مباشرا للقانون عن سواها.

- يحمي القانون الحقوق والحريات الفردية ويساعد في حل النزاعات: تكمن أهمية القانون في كونه يحمي الحقوق والحريات الفردية لأفراد المجتمع من الأفراد الآخرين ومن المنظمات وحتى من الحكومة نفسها، بل إنّه يمنع إصدار أي قانون يتعارض وحق الفرد أو يحد من حريته، مع وجود بعض الاستثناءات المحفوفة بالشروط والمتعلقة بحرية التعبير، كما أن القوانين توفر إطارا وقواعد ثابتة للمساعدة على حل النزاعات والصراعات بين الأفراد، وذلك عبر إنشاء نظام يمكّنهم من رفع قضاياهم ونزاعاتهم إلى جهة محايدة كالقاضي، مهمتها تقصي الحقائق والبحث عن الدلائل من أجل كشف الحقيقة.

- وضع المعايير والحفظ على النظام: يحدد القانون المعايير الأساسية الواجب اتباعها للحفاظ على النظام العام، وذلك من خلال دليل واضح للسلوك المقبول كحد أدنى في المجتمع، فعلى سبيل المثال التسبب بإصابات جسدية لشخص ما دونما مبرر يعتبر انتهاكًا، وجريمة، واعتداء سافر لا يتسامح معه القانون، فالقانون معني بتوفير نظام يتوافق مع إرشادات المجتمع. 

- دور القانون في التحديث والتغيير الاجتماعي: ينعكس دور القانون في التحديث والتغيير الاجتماعي بالنقاط التالية:

 يتولى القانون مهمة التغيير الاجتماعي من خلال تشكيل تأثير فوري على المجتمع، مثل إقرار قانون التعليم الإلزامي كحق لجميع الأطفال. 

يتفاعل القانون كقاعدة أساسية مع المؤسسات الاجتماعية الرئيسية بطريقة تتمثل بالارتباط المباشر بينه وبين التغيير الاجتماعي. 

يلعب القانون دور عامل التحديث والتغيير الاجتماعي في العديد من القضايا المتخصصة، وكذلك إبطال بعض الممارسات الاجتماعية المرفوضة.

ومن الجدير بالذكر أن التسلح بالثقافة القانونية والتعليم القانوني ليس مهماًًً فقط لشريحة المحامين أو للمحترفين القانونيين، لأن القانون يؤثر على جميع جوانب الحياة، وعليه يمكن للجميع الاستفادة من بعض مستوى التعليم القانوني الذي يساعد فهم أساسيات القانون للأفراد في التعامل مع المواقف اليومية والمعاملات المختلفة، مثل توقيع عقود الإيجار والبيع والشراء، أو فهم حقوقهم في الزواج والعمل بشكل أكثر فعالية وثقة.

السيدة مروة حلاق قالت: إن القانون بمثابة سلاح للفرد كي يعيش بأمان واستقرار، ويجب تعلمه حتى ولو بأبسط الأمور كي يعلم الشخص كيف يحصن ذاته من النوايا السيئة وتجاوزات الناس، فأنا كنت متزوجة من رجل أكبر مني بالعمر ما يقارب الثلاثين عاماً، اضطررت للزواج به بسبب الأحداث الدامية التي حصلت في حيّنا بمحافظة حلب خلال الحرب الارهابية على سورية، حيث دخل المسلحين الارهابيين إلى الحي وصاروا ينتهكون أعراض الناس وأمانهم، فجاء هذا الرجل وعرض علي الزواج زاعماً أنه سيحميني مما يدعونه نكاح الجهاد... وقال لي أنه سيخرجني إلى محافظة اللاذقية كونها مدينة أكثر أماناً في ذلك الوقت، فوافقت مضطرة لكوني وحيدة ويتيمة ولا أخوة لدي، وعندما تزوّجنا أصبح يتعامل معي كأني عبدة عنده، ولا يوفر لي مصروف الطعام حتى كانت بعض الجارات يأتين لي بالطعام، ومنعني من العمل، وكان يضربني يومياً ويهددني بما يسمى في ذلك الوقت "بالجيش الحر" اذا خالفته، وبالصدفة خلال جلسة مع إحدى الجارات التي كانت تريد أن تطمئن عليّ وهي محامية تحدثت لها عن كل ما يجري معي، فقالت لي أن القانون يعاقبه على جميع تصرفاته وعلى تهديده لك، وفعلاً ذهبتُ الى قسم الشرطة وقدمتُ شكوى ضده، فاتخذوا التدابير اللازمة معه وحصلت على الطلاق منه، ثم عملت وتزوجت مرة أخرى وها أنا أعيش حياة أمان الآن". 

أيضاً قال السيد مأمون المحمد" القانون رحمة للناس الطيبين ونقمة على السيئين، أنا أعمل في مجال النجارة واستأجرت صالة للعمل بها، وكانت هذه الصالة أيضاً معدة لأعمال النجارة، واتفقت مع صاحبها على شراء بعض المواد لكنه رفض أن يعطيني ورقة تدل على عدم ملكيته للمواد بعد شرائي لها، وكان يعاملني معاملة حسنة فلم أتوقع منه إلا الخير، لكن عندما بدأت بالعمل وصار مستوى الانتاج لدي كبير، طالبني المؤجر بإفراغ المكان زاعماً أنه باعه ويريد تسليمه لصاحبه الجديد، وقال لي خذ جميع الاغراض الموجودة لأنه يعلم سلفا أن ما كان فيه اشتريته واشتريت أيضاً آلات وأدوات غيرها، وعند تسليم المكان رفض المجيء خلال نقل الآلات والأدوات كما قال لي أن اضع المفتاح لدى جارنا وهو يأخذه في وقت لاحق، وأنا انشغلت باتخاذ مكان جديد، لكن صدمني المؤجر السابق بمكالمة له معي يتهمني فيها بسرقته، وأنه يريد أن يرفع دعوى ضدي إن لم أعطيه كل ما كنت أملكه، هنا عرفت أنه رجل شرير ولا يؤتمن جانبه وعرفت غلطتي حين لم أحصل منه على ورقة تثبت شرائي للمواد، وفعلاً قام بتقديم شكوى ضدي لكن كان لدي شهود تحدثَ أمامهم المؤجر سابقاً عن شرائي للمواد، وشهود رأوه وسمعوه حين قال لي خذ كل شيء، هنا ثبتت براءتي مما اتهمني به وحفضت حقي".

من جانبه قال المحامي بشار فويتي، في حديث خاص الى مركز الاعلام الدولي في العراق: "يجب على كل فرد أن يتعلم بعض المواد القانونية التي تصب في مصلحة حياته الاجتماعية أو العملية، ويجب أن يعلم متى يلجأ إلى القضاء والقانون من أجل الحصول على حقوقه، ويعلم ما له وما عليه، فالثقافة القانونية هي لمصلحة تحصين المجتمع وحمايته من الجهل، ومجرد جهل الفرد لقانون يصب في مصلحته قد يؤدي الى حصول المخالفات والجرائم التي تخل بأمن المجتمع وتزعزع استقراره، كما تؤخر نموه سواء اجتماعيا أو عمليا مؤسسات. 

فعلى سبيل الاسرة ممكن أن تؤدي معرفة الفرد لحقوقه وواجباته الى استقرار العائلة والحياة الاجتماعية، تماما كما يعلم الموظف بحقوقه وواجباته مما يحمي نفسه من ظلم وتعسف التسلسل الاداري الذي يتواجد فيه، بالتالي يؤدي الى التزام الموظف بعمله لينتج فيما بعد حسن سير العملية الانتاجية في المؤسسة وارتقاءه في مجال عمله وتحسن المستوى الوظيفي له".

وأضاف فويتي: " ان انعدام الثقافة القانونية بوجود المواطن تحت سقف القانون وعدم علمه بوجود القانون الذي يحميه وبنفس الوقت يردعه عن ارتكاب مخالفات قد يحد من تطوره الشخصي والمجتمعي، وللتنويه يجب أن يصل الحق الى مرحلة عدم أذية الآخرين او حرياتهم، ويجب عدم التعسف باستعمال الحق، فالقانون وجد ليحمي العامة وليس ليكون مسلط على رقابهم".

وعن الأمثلة التي ذكرها فويتي حول مخاطر عدم معرفة القانون تحدث قائلا: "مثلا الزوجة التي لا تعرف حقوقها وواجباتها، والأغلب لا يعرفون ما لهم وما عليهم يذهبون الى الطلاق بدون معرفة حقوق النفقة أو الأطفال، أيضاً لدينا مثال عن وجود الميراث الأميري أو الملك الذي يحدد نصيب الذكر والأنثى من الميراث، كما تندرج عقود البيع بدون اللجوء الى رجل قانون كمثال لأهمية التسلح بالقانون، حيث يقومون بكتابة عقد البيع عن طريق المكاتب العقارية فيكون اهتمام المكتب هو التحصيل المالي من العمولة التي يجب أن يحصل عليها دون الاخذ بالاعتبار حقوق وواجبات الفريقين الاول والثاني في العقد، وفيما بعد مهما حصل من مشاكل لا يعنى بها المكتب، بالتالي ان اللجوء الى رجل قانون يحمي الطرفين من المعاقبة القانونية في حال حصول تجاوز او عمليات نصب واحتيال، ولحمايتهم من حصول الزلات القانونية".

كما نوه فويتي عن مقترح لإدراج الثقافة القانونية في المجتمع بقوله: "من وجهة نظري يجب أن يدخل تعلم القانون في مناهج التعليم خلال مراحل مبكرة لبناء جيل قادر على ممارسة تفاصيل الحياة الاجتماعية والعملية بشكلها الصحيح، ومثقف قانونيا يستطيع النهوض بالمجتمع إلى أمان اكبر وعلم أقوى وانتاج أوفر".      

وتعقيباً على مقترح فويتي ننوه أن تثقيف الناس حول حقوقهم ومسؤولياتهم، يمكن أن يساعد في تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة والمجتمعات، أيضاً يمكن أن تمنح معرفة القانون الأفراد والمجتمعات القدرة على الدفاع عن حقوقهم والبحث عن العدالة عندما يتم انتهاك هذه الحقوق، علاوة على ذلك، يمكن لعملية التعليم القانوني أن تحفز التغيير الاجتماعي، من خلال التعرض لمبادئ قانونية متنوعة، يستطيع الطلاب خلالها أن يصبحوا أكثر وعياً بالقضايا الاجتماعية، مما يدفعهم إلى تحدي الوضع المنحرف والدفاع عن التغيير السليم، كما يشجع التعليم القانوني الطلاب على فحص القوانين والأنظمة القانونية بنقد، مغذياً جيلاً من الأفراد جاهزين للتفاعل مع المجتمع وتحويله للأفضل.